TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مـــن يـخـــاف نـصـــر حـامــد أبــو زيـــد؟

مـــن يـخـــاف نـصـــر حـامــد أبــو زيـــد؟

نشر في: 21 ديسمبر, 2009: 05:09 م

علي حسين يخطئ من يظن أن المعركة التي خاضتها قوى ليبرالية في الكويت مع بعض الجماعات المتطرفة هي معركة نصر حامد أبو زيد وحده، إنها معركة الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، معركة بين حب الحياة وبين الازدراء بالحياة، معركة بين المستقبل والماضي، بين السلام والإرهاب، بين الإبداع والتحجر العقلي، بين العقل النقدي والعقل المتعصب،بين التنوير والظلام،،،
 باختصار هي معركة حول مستقبل العقل العربي وجاء موضوع أبو زيد ليفجرها..إلا أن الأهم في هذه المعركة إنها ليست معركة كلامية وحسب بل هي معركة تفوح رائحة الدم من جوانبها كافة، ليس فقط عبر التكفير والقتل، وإنما هي مقدمة لجولة جديدة أوسع من الإرهاب وتكميم الأفواه على مستوى الوطن العربي كله.. لقد أوقع هؤلاء الظلاميون الكويت في مأزق كبير حين لم يسمحوا لـ(أبو زيد) من دخول البلاد التي طالما احتضنت رواد التنوير في الوطن العربي أمثال عبد الرحمن بدوي واحمد زكي مؤسس مجلة العربي وفؤاد زكريا والسياب والجواهري واحمد بهاء الدين، هذه هي الكويت التي عهدناها كويت الأفكار الحرة والرأي لكن البعض يريد ان يحولها الى إمارة من إمارات (طالبان) حيث يسود الجهل والأمية والتخلف. أمراء الظلام ومنظرو دولة طالبان وجدوا هذة المرة ضالتهم بنصر حامد ابو زيد هذا المفكر الشجاع الذي اضطهده المتطرفون في مصر وطاردوه الى المحاكم، لكنه رفض ان يتاجر بقضيته.. المفكر الشجاع الذي تحدى الصعاب وسار على درب المفكرين العظام وهو مثال في الثبات على المبدأ لم تثنه الضغوط والحملات المغرضة واتهامات التكفير الباطلة وأحكام القضاء وزعيق الظلاميين وحملاتهم الشعواء من ان يواصل رسالته المعرفية التي كرس جهده الفكري لها.. نصر حامد أبو زيد الذي شغل كرسي ابن رشد في اعرق الجامعات الأوروبية طاف الغرب مدافعا عن فكر التنوير العربي ومظهراً تاريخ العقل والتفكير لدى فلاسفة الإسلام أمثال ابن عربي وابن رشد وابن حزم وآخرين.. لم يهتز او يرتعد ولم يتاجر والاهم انه ظل ثابتا على مبادئه.. هو القائل بأعلى صوته: (الحرية هي الضمانة الوحيدة لتطور المجتمعات وصنع التقدم، الصدام، أي صدام، هنا مع السلطة الدينية التي تزعم امتلاك الحقيقة، وهذا موجود في تاريخ كل الأديان. سلطات دينية ترى أن للحقيقة وجهًا واحدًا، وهذا على خلاف التراث العربي الحي الذي نجده في كتابات المعتزلة والأشاعرة والصوفية، هذا التراث يجب أن نربطه بالثقافة الإنسانية المعاصرة مثلما فعل الأسلاف. هذا الربط يهزهم. يهز من يمتلكون الحقيقة، ومن يخافون من الحرية. إنه الخطاب النقدي، هذا الخطاب فعلا يهدد مناصبهم، كلمة النقد عندنا مخيفة، ينطقونها "نقض" التي تساوي هدما، وعموما لا توجد فكرة تموت، سوف تتسرب) أمام هذا الخطاب يزعق دعاة التطرف بخطابات تمهد للإرهاب بحملات إعلامية واسعة تطول إيمان البشر، ثم موجة أوسع من الإرهاب العشوائي لبث الذعر في قلوب الناس. من منا لم يشاهد القنوات العربية وقد ارتدت ملابس الحداد حين أطيح بأكبر دكتاتورية في المنطقة.. ثم أخذت هذه القنوات تذيع البيانات العسكرية وإعلانات الحرب الواردة إليها من جيوش الملثمين وهم يجزون رقاب الأبرياء ويرفعون الرؤوس المقطوعة؟ من منا لم يقرأ الخطابات المتلبسة بالدين وهي تتحدث عن العراق حين ينظرون إليه بعين واحدة لان الأخرى عميت بصيرتها، وحين تتناثر جثث الأبرياء مقطعة الأوصال في شوارع بغداد فان الأمر لا يعني أصحاب هذه الخطابات، لكن يعنيها ان تحشد كل قواها من اجل منع مفكر بحجم أبو زيد من دخول الكويت لا لشيء إلا لأنه حاول وتجرأ ان يدرس الدين من منطلق عصري.. تأملوا حال هؤلاء وهم يصرخون في الفضائيات ويطالبون بان لا تدنس أقدام أبو زيد أراضيهم العامرة بالإيمان..مثلما صرخوا قبل أشهر وطالبوا بمنع الأطفال من مشاهدة أفلام الكارتون لأنها تزعزع عقيدة النشىء الجديد. انهم يخشون أبو زيد لأنهم محتلون عقليا بالدجل والشعوذة ونقص العلم واللجوء الى الخرافة..يخافون أبو زيد لان ثقافتهم ترسخ لعدم اعمال العقل وهي ثقافة تدور حول كثير من الموروثات التي انتهت صلاحيتها أنهم يخافون أبو زيد لأنهم يؤمنون بغياب التعددية الفكرية ومحاولة تزييف الوعي لحجب أية فرصة للتفكير وتنشيط العقل.. محتلون تعليميا بمناهج دراسية تميز بين الجنسين وتشيع طريقة التلقين والحفظ ومصادرة السؤال الذي يتصف بالجرأة وتحفيز العقل على التساؤل والتفكير. يخافون ابو زيد لأنهم محتلون بالازدواجية الأخلاقية فهناك أخلاق للفقراء وأخلاق لأصحاب السلطة والمال.. محتلون بالكذب والنفاق والخوف من الجديد.. أنهم يطبقون علينا الأحكام العرفية، فالأفكار الجديدة يدان أصحابها ويحاصرون بفتاوى التكفير.. أنهم يخافون مفكرا بقامة أبو زيد يسعى لتحرير العقل العربي من القيود التي تكبله.. ويعمل على إحداث تغييرات جذرية في شتى مناحي الحياة العقلية كي يفوق العرب من غفوتهم وسباتهم الطويل.. مفكر يبعث صحوة الروح في العقول التي باتت ترقد كسيحة فاقدة الوعي والإدراك والصلاحية. تحية لك أبو زيد لأنك حركت سكون مجتمعات عاشت وتعيش على غياب الوعي والبطالة العقلية والفقر الفكري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram