عامر القيسيجدران عازلة بين العراق والكويت وغيرها بين السعودية واليمن وثالثة بين مصر وقطاع غزة وقبل الجميع الجدار العازل بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وآخر وليس الاخير الجدار (الخندق) بين سوريا والعراق ولا ندري اي نوع من الجدران سنشهد وبين من ومن؟
جدران من كل نوع وشكل وهدف جدار لمنع تسلل الارهابيين من هذا الى ذاك جدار لمنع تسللات الانفاق من والى رغم انفتاح الحدود جدار من اجل أن لا أرى القرد ولا القرد يراني! منطقة تعج بالجدران والانفاق العازلة ولا احد يعرف متى ستتوقف أو الى أي زمن ستستمر وبين من ومن؟ المفارقة في هذه الجدران انها في منطقة محصورة من الشرق الاوسط، وبالعرب تحديدا، فيما بينهم، وبينهم وبين اعدائهم التقليديين رغم الاعلام المرفرفة بين الطرفين. والمفارقة الأشد ايلاماً ان الجميع دون استثناء يتحدثون عن المصير المشترك والحضارة المشتركة والمستقبل المشترك السعيد. اليوم في الأحضان وغدا يوقعون عقوداً مع شركات أجنبية لبناء الجدران الكونكريتية والألكترونية والفولاذية. أعمال الفكر والخيال والأموال لمنع الآخر من الوصول. اموال تصرف بالمليارات،التي يحتاجها الفقراء للتعليم والصحة والحياة الانسانية، من أجل اتقاء الآخر. وعند الجميع هذا هو الحل الأمثل ماداموا لايستطيعون الخلاص من أقدارهم الجغرافية والانتمائية، لايستطيعون نقل الأرض والناس والثروات الى قارات أخرى أو الى جغرافية ثانية! يشيدون الجدران ويبددون الملايين بهمة ونشاط ويتعاقدون مع الشركات الأجنبية الاختصاصية ويتناسون عامدين متعمدين أو لايعرفون الطريق الى الحلول الحقيقية للمشكلات الداخلية والخارجية معا. كل ذلك لأن الخوف يعشعش في الرأس والدم والقلب، خوف مبني على تأريخ من عدم الثقة والاعتداءات المتبادلة والشكوك التأريخية والمؤامرات الصحيحة منها والمفتعلة. الخوف الذي منع الحلول وعقد المشاكل وزاد الطين بلّة وحوّل الاخوان الى أعداء والجيران الى تنين يمكن ان ينفلت في أية لحظة. يعرفون ويحرفون كما يقال في المثل الشعبي العراقي، ان الحل يمر عبر بناء مجتمعات ديمقراطية حضارية متفاعلة لاتخشى رياح التغيير كما تخشى رياح السموم. بامكان الديمقراطية لوحدها ان تحل مشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعاطفية معا وتبعد عنّا شبح الارهاب وتستبدل شكوكنا بمصير مشترك حقيقي مبني على اساس المصالح المشتركة والمستقبل المشترك. دواء سحري لكل أشكال صداع الرأس والشيزوفرينيا والنفاق السياسي والاحتماءات الطائفية والعشائرية والمناطقية والصداقات الملتبسة والولاءات الفضفاضة والعلاقات المستترة. دواء سحري وأبدي للأفراد والجماعات والشعوب والنساء والأطفال والرجال والكائنات غير البشرية حتى، والدليل تآلف هذه الكائنات في حفلات السيرك في مختلف أنحاء العالم. لكن التنبيه الذي ينبغي أن يكتب على الوصفة قبل استخدامها: (تأكد من كمية الجرعة) لأننا حقيقة أخذنا جرعة كبيرة كادت أن تلقي بنا في مهب الريح لولا قدرة جسدنا العراقي على تحمل الصدمة، وها هو يحاول أن يسير على طريق الحلول الصحيحة رغم الثمن الصعب الذي دفعناه ومازلنا من أجل الوصول الى رفع الحواجز من الشوارع ثم من المنطقة الخضراء والعودة أخيرا الى كتاب الوطنية للمرحلة الابتدائية الذي يقول أن لاحدود طبيعية بين بلدان الوطن العربي حتى نصل اللحظة الزمنية التي نقول فيها: وداعا للجدران.
الجدران العازلة والديمقراطية
نشر في: 21 ديسمبر, 2009: 05:44 م