TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > السياب.. اعترافات الوجه الاخر للمرآة

السياب.. اعترافات الوجه الاخر للمرآة

نشر في: 22 ديسمبر, 2009: 05:04 م

علي حسن الفواز في الذكرى الخامسة والاربعين لرحيل الشاعر بدر شاكر السياب نحاول ان نستعيد ما تبقى من السياب الاثر والظاهرة الشعرية المؤسسة، فهل ان معطف السياب مازال حقا هو المعطف العائلي للقصيدة العربية؟ وهل ان ظاهرة السياب مازالت هي المهيمن اللاواعي الذي يمارس سطوته الابوية على توليدات القصيدة؟
وهل ان للسياب وجها اخر اختلط فيه النفسي مع السياسي مع الثقافي؟ وجه السياب الاخر هو جزء من أثره، وليس جزءا من ظاهرته. ساحاول في هذه القراءة التعاطي مع هذا الوجه الاخر للسياب الثقافي، السياب الذي حاول ان يمارس ادوارا تتجاوز أثره الشعري وتضعه في سياق الصراعات السياسية والايديولوجية التي كانت تعصف بالحياة العراقية منذ نهاية الخمسينيات، واذا كانت هذه القراءة تكشف عن وجه آخر للسياب، فانها بالمقابل تكشف عن جوانيات هذا الشاعر المضطربة والتي نعتقد باهميتها في صياغة ثيمة القلق في اغلب قصائده، تلك التي اسبغت نزوعا وجوديا، وتمردا حسيا، مثلما كشفت عن ان فكرة التمرد على الاشكال لم تكن لاسباب فنية مجردة، ولاسباب تتعلق متأثره بثقافات غربية وترجمات لعبت دورا في تشكيل وعيه ونصه ونزعته الرثائية لكل مايحوطه فقط، وانما لاسباب تتعلق بهوسه بالتغيير والمغايرة، والاحتجاج، وربما النزوع الى الكراهية والسخط والكآبة، والتي نجدها في نصوصه النثرية/رسائله او اعترافاته، تلك التي نظن باهميتها في دراسة ظاهرة السياب الشعرية والانسانية.. بدر شاكر السياب ظاهرة شعرية حاضرة في الذاكرة دائما، نضعها عند كل موسم ثقافي امام المزيد من القراءات والتأويلات والاجتهادات الجديدة، تلك التي تكشف عن مستويات قرائية اكثر اثارة للاسئلة حول شعريته وشخصيته. ولكن ثمة عديد من هذه القراءات تبدو وكأنها محاولة للنيل من الكارزما السيابية، وترحيل ظاهرته من سياقها الشعري الى سياق شخصاني يوحي بالكثير من الاشكالات والتقاطعات والاسئلة، خاصة فيما يتعلق بشخصيته المزاجية و(محدودية ثقافته) كما يصفها الناقد احسان عباس، حتى بتّ احسب ان هذه القراءات تحمل موقفا قصديا من السياب السياسي وليس السياب الشعري او ربما هي كتابة تفترض صيغة المؤامرة!! ولعل صدور كتاب (كنت شيوعيا) الذي ضمّ مجموعة من اعترافات السياب ورسائله عن دار الجمل (2007) يكشف هذا الهوس بالاثارة، والقصدية بالبحث في زوايا عوالم السياب الشخصية عن ملفات تثير اللغط حول شخصيته المضطربة والمزاجية ومواقفه غير الواضحة من الصراعات السياسية والاجتماعية والايديولوجية التي كانت تعتور الحياة العراقية آنذاك.. يضم هذا الكتاب 29 حلقة من الاعترافات/الرسائل، التي كان قد نشرها السياب سابقا عام 1959 في جريدة الحرية البغدادية لصاحبها ورئيس تحريرها المحامي قاسم حمودي المعروف باتجاهه القومي المناوىء للاتجاهات الشيوعية التي كان (شيوعها) اقرب الى الظاهرة الشعبية في الخمسينيات.. لقد حملت هذه الاعترافات/الرسائل نزوعا ساخطا ضد الشيوعيين العراقيين، نعتهم السياب باوصاف حادة ومشينة تكشف عن مزاجه المضطرب وطبيعة تداعيات خصومته مع الاخرين، فضلا عما تكشف من فطرته في التعاطي مع(مشكلات) السياسة وظواهرها، اذ ان السياب كان في وقت ما شيوعيا ملتزما و(منظمّا) كثيرا ما امتدح الشيوعيين وحمل شعاراتهم في الكتابة وفي التظاهرات التي شارك فيها، وتحمّل ازاء هذا الانتماء الكثير من المضايقات والمطاردات التي جعلت الحكومة بعد تخرجه من دار المعلمين العالية، تعينه معلما في مدينة(هيت) البعيدة جدا عن المدن التي ألفها، حيث كان هذا التعيين شكلا من اشكال النفي السياسي.. ان هذه الاعترافات التي حملت العنوان نفسه تبدو وكأنها اشبه باعلان البراءة، وطبعا هذه البراءة تجد عند الخصوم السياسيين اهتماما واضحا، اذ رغم عدم اهمية هذه الرسائل/الاعترافات من الناحية التاريخية وضعف مستواها الفني وحتى(الانشائي)، تلك التي كشفت حقا عن محدودية ثقافة السياب في انفعاله مع معطيات الظاهرة السياسية والحزبية، وقدرته في(السيطرة) على سياق جدله المنفعل والساخط مع الافكار التي يناوئها، فانها وجدت ايضا عند اصحاب التيار القومي، وهم الخصوم التقليدون للحركة الشيوعية حظوة كبيرة، حيث سارع رئيس تحرير جريدة الحرية قاسم حمودي المحامي وهو والد جعفر قاسم حمودي عضو القيادة القطرية في حزب البعث في العراق آنذاك والصحفي سعد قاسم حمودي وزير الاعلام في السبعينيات من القرن الماضي الى الاهتمام بنشرها في صحيفته وبطريقة تبدو فيها ملامح التشفي .. لاشك في ان فضاء صراعيا وصاخبا قد اجترحته هذه الكتابات، لان السياب كان شخصية عامة اولا، وكان الجدل السياسي والحزبي على اشدّه في نهاية الخمسينيات في العراق ثانيا، فضلا عما عكسته ايضا على الساحة اللبنانية من اسئلة خاصة بين مريدي التيار القومي والتيار اليساري والتيار المجذوب الى اشكال الحداثة (صاحبة الريبة) ثالثا، كل هذا جعل هذه الرسائل بمثابة الانفجارات التي ملأت الساحة الثقافية بالكثير من الشظايا والدخان .خاصة اذا كانت هذه الكتابات بتوقيع شاعر مهم مثل السياب وانها تمسّ بعض خفايا الجوانب الاجتماعية والاخلاقية والسلوكية، حتى بدا واضحا فيها بان السياب مهووس بفكرة التشهير والشتيمة، وانه لايفقه شيئا عن الشيوعية وان انتما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram