حسين عبدالرازق تقرير الحكومة المصرية عن حالة حقوق الإنسان في مصر والمقدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي يعقد في الفترة من 8 إلى 19 فبراير/ شباط القادم بجنيف يحتاج لمناقشات مطولة لتناقضه الصارخ مع الحقائق الواقعية، سواء ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،
ولكني أتوقف في هذه المساحة المحدودة أمام قضية حالة الطوارئ المعلنة منذ 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981 والمستمرة حتى 31 مايو/ أيار 2010 أو صدور قانون جديد لمكافحة الإرهاب. يقول التقرير إن إعلان حالة الطوارئ عام 1981 عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات كان بسبب الإرهاب «الذي هدد أمن الدولة والمواطنين». وأن الحكم تعهد بألا تستخدم التدابير الاستثنائية التي تتيحها حالة الطوارئ «في غير مواجهة الإرهاب وجرائم المخدرات» وأنها نفذت ما التزمت به. وأن إحالة بعض المتهمين إلى القضاء العسكري ارتبطت بها الحرص الكامل على توفير ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة أمام هذه المحاكم. وباستثناء حقيقة أن حالة الطوارئ أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول 1981 بسبب الإرهاب، فإن كل ما ورد بعد ذلك غير صحيح. فقد استخدم قانون الطوارئ ضد المرشحين المنتمين إلى أحزاب معارضة والمستقلين وضد مندوبيهم وأنصارهم في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وفي يونيو/ حزيران 1989 اعتقل 1500 مواطن أثناء إجراء انتخابات مجلس الشورى، وفي نوفمبر/ تشرين الأول 1995 ألقي القبض على أكثر من 1000 شخص أثناء انتخابات مجلس الشعب، وفي انتخابات 2000 اعتقل 500 من مندوبي وأنصار بعض المرشحين المنافسين لمرشحي الحزب الوطني وأحيل 101 من أنصار المرشحة المستقلة في دائرة الرمل بالإسكندرية للمحاكمة بتهمة التجمهر وإثارة الشغب وحيازة منشورات ومطبوعات وصدر الحكم بحبس 66 منهم لمدة ثلاثة شهور، وطبق قانون الطوارئ ضد الفلاحين الذين قاوموا الطرد من الأرض تنفيذا للقانون الذي غير العلاقة بين ملاك الأراضي ومستأجريها وأباح طرد المستأجر، وضد السياسيين والمثقفين الذين تضامنوا مع المستأجرين وتم اعتقالهم طبقا لحالة الطوارئ، واستخدم القانون لاعتقال عمال ونقابيين لقيادتهم إضرابات واحتجاجات عمالية، كما طبق قانون الطوارئ ضد طلاب الجامعات وفي الفترة من 1992 وحتى 2002 استخدم قانون الطوارئ لمنع 47 مظاهرة سلمية واعتقال قادتها، شملت مظاهرات طلابية لأسباب وطنية أو احتجاجا علي طرد واعتقال زملائهم، ومظاهرات نقابية وعمالية وفلاحية ومؤتمرات للتجار، وأطلقت الشرطة خلال بعضها رصاصا حيا ومطاطيا وقنابل مسيلة للدموع واقتحمت السيارات المصفحة مباني الجامعات والمصانع واستخدم قانون الطوارئ في منع الإضرابات ومحاكمة قادتها، وتعرضت قرى للعقاب الجماعي وفرض الحصار عليها وحظر التجول. وتمت محاكمة سياسيين ينتمون لحزب الوسط تحت التأسيس في أغسطس/ آب 1996، وإلى الإخوان المسلمين بتهم لا علاقة لها بالعنف أو الإرهاب، وبلغ عدد المتهمين في هذه القضايا السياسية 140 متهما حكم على 95 منهم بالسجن من عام إلى 5 أعوام. وطبقا للأمر العسكري رقم (1) لسنة 1981 تحال إلي محاكم أمن الدولة طوارئ الجرائم المنصوص عليها في المواد 173 و174 و175 و176 و177 و179، وهي الجرائم التي تقع بواسطة الصحف، وهو ما يشكل قيدا على حرية الصحافة وعلى الحق في الحصول على المعلومات، وأحيل للقضاء العسكري 17 صحفيا وناشرا ورئيس تحرير في الفترة من 1991 إلى 1995 وعوقب عدد منهم بالحبس. والقضاء العسكري بالنسبة للمدنيين قضاء استثنائي، وتفتقر المحاكم العسكرية إلى ضمانات التخصص والاستقلال والحيدة المفترضة في القضاء الطبيعي. وتعليق إلغاء حالة الطوارئ على إصدار قانون جديد للإرهاب - وهو الوعد الذي التزم به رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي عام 2005 - ليس إلامناورة مقصودة لاستمرار حالة الطوارئ، فقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فيهما ما يكفي ويزيد لمواجهة الإرهاب، وهناك بالفعل قانون لمكافحة الإرهاب صدر عام 1992 (القانون 97 لسنة 1992)، والمطلوب الآن إلغاء حالة الطوارئ والعودة إلى القانون العادي فثمانية وعشرون عاما من حكم الطوارئ خربت الحياة السياسية ورسخت دولة الاستبداد والخوف وعطلت التطور الديمقراطي.
28 عاماً طوارئ.. تكفي وتزيد
نشر في: 22 ديسمبر, 2009: 05:56 م