د. حسن المحمداوي نعيش هذه الأيام تاريخ واقعة الطف بما تحمله من معاني وروح وآصالة، هذه الواقعة التي تذكي مديات التاريخ وتوهج بطياتها دافع الثورة على الظلم والفساد والتخلف وأننا عندما نتذكر هذه الواقعة الأليمة ينبغي علينا بذات الوقت أن نستهدي بنورها الوضاء ونستظل بظلها ونرشف من رحيق عطائها وعذب نداها جذوة التفكر والتعقل والبصيرة من أجل توظيفها في سلوكنا الحياتي
والذي يهدي الأنفس الى عمل الخير وأيثار الحق على الباطل وتهذيب السلوك الأنساني بما يرتقي الى سلوكيات أبو الشهداء وأصحابه الأبرار. أن العقل المدرك والمتفحص يعلم جلياً محتوى هذه الثورة الخالدة والعملاقة على مدى العصور والسنون وعلى الرغم من مخاوف الطغاة التي كانت تدفعهم لدفن معالمها وتفتيت وتشويه أركانها ولكن هباءاً ما كانوا يفعلون، لاأن الله جلت قدرته أذا أراد أن يخلد شيء فأنه يعطيه القدرة المتجددة والتي تصقل نفسها بنفسها على مديات الزمان مهما كانت العقبات التي تتصدى لها، وصدق الشاعر الذي يقول: أخان الصعاليك هل ضجت التواريخ على سمعك الموقـرِ وهل مرت العبر الحاشدات وما للمظاهر من مخبـــــــــرِ لتنبيك أن قصـــور الطغـاة من جوســــق ثم أو جعفـــــــر تهاوت رماداً وظل الخلـــود ينــــام على رمـلك الأسـمــــر أن الله سبحانه قد منح الخلود لهذه الواقعة كي تكون طريق هداية للأجيال يستمدون منها الهمم الخيرة والمعطاء من أجل البناء والتغيير، وهذا مايحتم علينا أستنباط الدروس والعبر التي من أجلها ضحى سيد شباب أهل الجنه بروحه ودمه الطاهر الزكي وأهله الأبرار، هذه الدروس التي تتطلب التمعن فيها بشيء من الواقعية والموضوعية والمنطقية، بشيء يجسد مطابقة السلوك لمقتضى واقع الواقعة بحيث نبتعد جهد الأمكان عن التمسك الأعمى بالقشور والسطحيات التي طالما أبتلينا بها في هذا الشرق البائس، ، هذه السلوكيات التي اورثتنا التقاليد الجوفاء والتي تريد أن تعبر عن ثورة هذا المتألق والمشع بسيرته عبر التاريخ بممارسات وسلوكيات ماأنزل الله بها من سلطان، بعيدة عن العقل والمنطق والحقيقة، فليس الحسين بمن يرضى أن يخلد ذكراه بسفك الدماء من الرؤس والجلود حزناً عليه وليس هو من يرضى بأن تلصق به مثل هذه الممارسات التي لاتمت الى العقل والأنسانية بشيء، بقدر ما تظهر الجانب الجاهلي والأمي لفهم محتوى واقعة الطف... أبعدوا ممارساتكم الجاهلية هذه عن ألق الحسين(ع) وعن روحه وفكره ومبتغاه ، أبعدوها عن منطقة وعقله وسلوكه فهذا الذي تعملونه بأسم الحسين (ع) هو من أرهاصات نفوسكم وأضطراباتكم النفسية وهي أبعد ماتكون من مستوى الصحة النفسية التي يتمتع بها ابو الشهداء لانه قد حقق ذاته من خلال السلوكيات التي أعتمدت على العقل والمنطق والأنسانية ولاتجعلونا سبة على الحسين وآل بيته، ورحم الله الشاعر الذي يقول: وصغناك من دمع وتلك نفوسنا نصورها، لاأنت أنك أرفــــع أن الحسين(ع) عندما نهض بهذه المسيرة التي اختطت للعالم معالم النور والحق والأستقلال والتحرر، أراد ان يقول بأنه يضحي بكل مايملك وبأغلى مايملك من اجل الدروس الواعية والعملية التي تهذب السلوك الأنساني وتعلمه مسارات الخير والبناء والتطور، وأننا ندرك بأن المجتمعات تتصف بالأنغلاق النسبي أي بمعنى أخر أن المجتمع يتأثر بشكل كبير بالعوامل النفسية والأجتماعية ولو كان ذلك على حساب منطق العقل والموضوعية على اعتبار ان حياة الأنسان تنطوي على نوع من التناقض، حيث تدفعه نفسه بشكل لاشعوري للتعبد بالمثل ذات الأنطباعات النفسية الشديدة الأثر في حين يأمره عقله للأنقياد الى حكم المنطق والموضوعية، لأن العقل بمثابة النبي الداخلي للأنسان الذي ينبغي أن يستغله من أجل العمل على تهذيب سلوكه وانتقاء النافع السليم لحياته وحياة المجتمع بشكل عام. أن واقعة الطف كانت وستبقى ولادة حية لحياة المجتمع الأنساني وهي بمثابة ربيع المجتمع وعنفوانه ونحن أن أردنا أستلهام حلاوة هذا الربيع وعذوبته وبرد نداه ينبغي ان نبحر في محتواه بعقول مرنة متفتحة ومتحررة كي يعم الخير علينا وعلى البشرية جمعاء، فليس غريباً ان نسمع كلمات غاندي المدوية في التاريخ ليقول ( تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً لكي أنتصر) ولنعلم ان هذه الكلمات التي نطق بها غاندي البعيد المسافة عن أرض واقعة الطف والقريب منه في الروح والتوجه لم تأت من فراغ بل جاءت من خلال تمعن عقلي وروحي وانساني في ثورة هذا البطل الشهيد، وأنه لم تأتي من ممارسات وأساليب تجرح الشعور الأنساني وتنضح بالجاهلية المقيته وتبعث بالرعب والأشمئزاز في قلوب الأخرين من الناس، هذه الأساليب التي تقتل بهجيرها نضارة الربيع الحسيني الشامخ وتحوله الى أرض جرداء خالية من العطاء والى طرائف يتندر بها الأخرون الذين يتصيدون في الماء العكر. أن من أهم الخصال الأساسية في حياة الأنسان هي خصلة البحث عن الحقيقة والألتزام بها والدفاع عنها والتضحية من أجلها، وأن تجرد الأنسان عن هذه الخصلة تجعله غير جدير بأن يرقى الى مستوى الأنسانية ، لذا فأن الذين ينتحلون العقائد والأفكار دون دليل وبرهان أو دون التمعن بها قليلاً حيث يكون هذا الأنتحال بدافع لاشعوري أنما يجردون أنفسهم من أنسانيتهم وأن صادف أنهم أنتحلوا المذهب أو الفكر المحق ولكن هذه السلوكيات التي تتأتى من خزان اللاشعور تجعلهم في حقيقة
ثورة الحسين(ع) صفعة بوجه الجور والفساد والتخلف
نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 03:28 م