د.صلاح عبد الرزاق عند دراسة أية نظرية أو فكرة أو حركة يجب دراسة شخصية الفرد المؤسس لها من جوانبها كافة الفكرية والاجتماعية والأخلاقية كي يتم التعرف بعمق على ماهية هذه الفكرة من خلال التعمق في شخصية مؤسسها، ومتابعة ما إذا كانت هذه الشخصية تنسجم كلياً مع مبادئ تلك الفكرة أو الفلسفة،
لأن ذلك يتيح للباحث تقييم الفكرة ومدى تأثيرها وهيمنة أفكارها على صاحبها أولاً. وينطبق ذلك على الديانات أيضاً. فالله سبحانه وتعالى لا يختار للرسالة سوى تلك الشخصيات التي تمتلك كفاءات وصفات قادرة على حمل عبء الرسالة، وأن تكون من أفضل شخصيات عصرها علماً وورعاً وعفة وصدقاً وحكمة وشجاعة وصبراً وقيادة. صحيح أننا نؤمن بذلك من خلال عقيدتنا الإسلامية التي ترى في أن جميع الأنبياء معصومون قبل البعثة وبعدها لأنهم يحملون الأحكام الإلهية للبشر، ولا يمكن أن يكون هناك تفاوت ولو بسيط بين التعاليم التي جاءوا بها سلوك أو تصرف مهما كان بسيطاً لأنهم يمثلون القدوة للبشرية في سلوكهم وكلامهم ومواقفهم طوال حياتهم، ولكن لا يتناقض الإيمان بالعصمة مع البحث التاريخي لشخصية النبي والرسول. لذلك فإن دراسة الأنبياء العظام من الذين تتوفر عنهم مصادر تاريخية موثوق بها سواء ما جاء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو السيرة الشريفة تؤكد الحقائق والأحداث التاريخية. إن دراسة شخصية الرسول محمد (ص) والتعرف على سجاياه وأخلاقه قبل البعثة أمر ذو أهمية كبيرة يؤكد ما جاء به الوحي. فلقد كان (ص) يعرف بالصادق الأمين وهما صفتان قلما يتصف بهما شخص في مكة آنذاك. ولم يسجل عليه أعداؤه من قريش وغيرهم في يوم ما كذبة أو تصرفاً مشيناً. إذ كان في شبابه يتجنب مجالس اللهو ولا يدخل حانات مكة التي اعتادها القرشيون، ولم تسجل عليه ملاحظة أخلاقية مطلقاً. فقد كان عفيف النفس، ذا خلق عظيم كما وصفه القرآن. ولو كان في سلوكه (ص) قبل البعثة ما يشين لما توقف أعداء الإسلام من نبزه بها والتشنيع عليه. ويشير القرآن الكريم إلى طفولة الرسول (ص) بقوله ( ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى ). بعد البعثة الشريفة تعرض الرسول لاتهامات كثيرة من أعداء الإسلام. وبقي القرآن يدافع عنه ويرد تلك الاتهامات التي تتهمه تارة بالسحر أو التعلم من أعجمي أو النقل عن التوراة والإنجيل، وينفي عنه الجنون أو الافتراء على الله أو التخيل (ما كذب الفؤاد ما رأى)، وغيرها من الاتهامات التي ذكرها الله تعالى في كتابه المجيد. وهكذا يجب البحث عن جوانب شخصية كل العظماء والمفكرين والفلاسفة وعلاقاتهم بمن يحيطون بهم وبمجتمعاتهم كي نعرف حقيقة دعوتهم وآرائهم وأفكارهم، وفيما إذا كان ما يعلنونه مجرد شعارات أم لا. فقد تكون الفكرة ذات بعد أخلاقي وإنساني عال ولكن صاحبها لا يطبقها في حياته. فعلى سبيل المثال كشف بحث تاريخي أن ماركس الذي كان ينادي بحقوق العمال والعدالة الاجتماعية كان كثيرا ما لا يدفع أجور عمال مطبعته في ألمانيا. وآخر كان ينادي بحقوق المرأة ثم تم اكتشاف وجود عدة عشيقات له دون زوجته. من خلال هذا المنهج يمكننا التعرف على كل الشخصيات الإسلامية من صحابة أو خلفاء أو فقهاء أو غيرهم ومطابقة أفعالها مع القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما المعيار في التقييم. ولا نخشى كذلك في تطبيقه على سيرة الأئمة عليهم السلام. شخصية الإمام الحسين (ع) واليوم ندرس صاحب الثورة الكربلائية، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وندرس شخصية هذا الإمام الثائر كي نرى هل كان طالب سلطة أم مغنم دنيوي أو باحثاً عن مجد شخصي كما يدعي بعض المؤرخين والباحثين أم كان يريد إصلاح أمة جده التي انحرفت عن جادة الحق بسبب انحراف الخلافة. تهيأت للإمام بيئة ونسب لم يحظ أحد بهما لا قبله ولا بعده عدا أخاه الإمام الحسن المجتبى: والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ووالدته فاطمة الزهراء وهو أطهر حضن وأشرف بيت في العرب، وجده رسول الله (ص) معلم الإنسانية ومربي البشرية، أشرف الأنبياء وأسمى المخلوقات. في هذا البيت النبوي العلوي تربى الحسين، ورضع أخلاق النبوة وشب على مبادئ الرسالة الإسلامية. الحسين في القرآن هناك آيات عديدة نزلت في حق الإمام الحسين باعتباره عضواً في العائلة العلوية الشريفة مثل آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وآية المودة (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا). ولكن هناك آية تشير إليه وأخيه الحسن بشكل أوضح وهي آية المباهلة حيث سمته بلفظة (أبناءنا) في قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). فالإمام الحسين عليه السلام يمثل الجيل الثاني من الرسالة الإسلامية. وقد نسبه الله تعالى إلى الرسول ودعاه بابنه كما ورد في الآية، فهو (ع) من خط جده (ص)، ومنهجه (ع) هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي عرفه وتشبع به فصار معلماً من معالمه. الحسين في السنة النبوية هناك أحاديث كثيرة توضح منزلة الإمام الحسين (ع) العالية أراد النبي (ص) أن ينبه الأمة إليها مثل قوله (ص): (حسين مني وأنا من حسين)،
الحسين (ع).. الشخصية والمنهج
نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 03:29 م