د أسعد الامارة إنّ فهمنا لجوهر انتفاضة الإمام الحسين (عليه السلام) يبدأ من اكتشاف المغزى الأساس لصدمة الامة الإسلامية، وما آلت اليها الأمور زمن خلفاء بني أمية، وخصوصاً ثاني خلفائها ، ومدى العجز الذي أبداه العديد من سايرَ بناء الدعوة الإسلامية من الصحابة، وما تركه في نفس سليل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) من صدمة في تدهور الأمة ،
هذا الأثر الصدمي انعكس عجزه نتيجة استسلام الرجال للتدهور خلال حكم بني أمية حتى إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حدّثهم عن أنفسهم ، وعن واقعهم ، وعن زيف حياتهم ، حدّثهم كيف أنهم استصرخوه على جلاّديهم ثم انكفأوا مع هؤلاء الجلاّدين عليه ، هؤلاء الجلاّدين الذين لم يسيروا يوماً بصدق مع الرسالة الاسلامية ، أما الصحابة الذين قبلوا هذا الانكفاء ونكصوا بارتداد نحو التدهور، ورضوا بالواقع السيّئ في بناء أسس للفساد في دولةٍ فتية رغم إحساسهم بالدونيّة زمن حكم بني أمية ظلوا خانعين مستسلمين . يقول: محمد مهدي شمس الدين إنّ فاجعة كربلاء دخلت في الضمير الاسلامي آنذاك وانفعل بها المجتمع الاسلامي بصفة عامة انفعالاً عميقاً ، ويضيف – شمس الدين – إنّ من نتائج ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في الميادين التالية : تحطيم الإطار الديني المزيف الذي كان الأمويون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم ، وفضح الروح اللادينية الجاهلية التي كانت توجه الحكم الأموي بثّ الشعور بالإثم في نفس كلّ فردٍ ، وهذا الشعور الذي يتحول الى نقد ذاتي، من الشخص لنفسه، يقوم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع . بعث الروح النضالية في الانسان المسلم؛ من أجل إرساء المجتمع على قواعد جديدة ، ومن أجل ردّ اعتباره الانساني اليه . إنّ ثورة الامام الحسين(عليه السلام) ضد الإسلام المزيّف، عُدّت البادرة الأولى لتحطيم الإطار الديني الذي بنى عليه الأمويون دولتهم، وايهام الناس بأنّهم أفضل من يطبّق شريعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويكون القرآن الكريم مصدرهم في الحكم ، حتى أنّهم أوهموا الجميع أنّهم خلفاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) الى يوم الدين ، لذا يمكن القول ان ثورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، هي بحد ذاتها ثورة ضد الوعي المستغفل ، أو هي بحق ثورة تغيير المفاهيم ضد ممن جعلوا لأنفسهم باسم الدين، الحق في قمع ايّ تصحيح يقوم به جماعة من الناس وإن كانت محقّة في طلباتها . عندما نقول ان انتفاضة الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليه السلام) هي انتفاضة الرفض المطلق ضد تسييس الاسلام وتزييفه ، لا نجانب الحقيقة كثيراً بهذا القول، ولا نفتري على الواقع السائد آنذاك، لهذا فهو اتّخذ الرفض بلغة الانسان العارف بكل مجريات الأمور، وأكثر من ذلك فإنّه أبرز خواء الوضع العام السائد خلال تلك المرحلة من الدولة الاسلامية، وفساد في معتقداتها وتبرير ذلك الفساد باسم الدين حصريا ، فالامام الحسين (عليه السلام) أبرز وجوهاً عدّة في هذا الرفض، منها بروز الثورة الاجتماعية ضد الطغاة ، وكذلك خلق الرغبة لدى الناس في رفض الواقع الانساني انذاك وما آلت اليه الامور ، لذا كان الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يفضح الحكام الامويين ويكشف حقيقتهم . ان ما تركه الامام الحسين(عليه السلام) في ثورته هذه هو بثّ روح الوعي لدى الامة المستسلمة للوهن ، حتى بات أمرها قدراً أزلياً تتوارثه الاجيال منذ استشهاده في تلك الفترة من تاريخ المسلمين . إنّه يذكّرنا ويلحّ على الاجيال من بعده بأنّ ثمة فرقاً بين حكّام الزيف الأمويين واتخاذهم للدين ستاراً يمارسون من خلاله أبشع الممارسات اللاإنسانية بحق الناس والشريعة الاسلامية، وبين الموقف الناصع للدين الذي ظل يحمله آل بيت رسول الله(عليهم السلام) عبر الاجيال والقرون ، انها فطنة الامام الحسين (عليه السلام) الى أنّ هذا القدر يجب أن يصحح مسار الامة، ليس ببقائه حياً فحسب ، بل في استشهاده في أبشع جريمة دوّنتها لنا ذاكرة الانسانية عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من تاريخ الدعوة الاسلامية ، وعليه أن الوعي الذي أوجده سيد الشهداء(عليه السلام) إنّما هو فعل تخطّى المحدود بالتفكير أو الفعل أو التدين أو الانصياع للحكام الفاسدين مهما كانت أصولهم أو انتماءاتهم ، فهو أفسد على الحكام آنذاك الاستمتاع بستار الدين والبقاء في سدة الحكم حتى وان استمروا لسنين عديدة بعده .. استطاع الامام الحسين (عليه السلام) في قدَره المحتوم في كربلاء الاحتفاظ بهذا التصحيح للرؤية الاسلامية الناصعة بلا شوائب،عبر ازلية خالدة لدى كافة المسلمين من جميع المذاهب الاسلامية ، لا بل تعداها الى الاديان الاخرى السماوية، وغير السماوية، وباتوا يستشهدون به بابدع صورة من التصحيح ورفض الظلم . إنّ محك ازلية استمرار شعائر انتفاضة الامام الحسين (عليه السلام) هو استعادة وعي الناس بما يجري من ناحية ، وهو وعي الذات بالانقلاب على التدهور الاخلاقي والاجتماعي زمن حكّام بني امية من ناحية اخرى ، فالامام الحسين(عليه السلام) استهدف وعي الامة بأجمعها حتى إنّه استطاع أن يخلق تمايزاً في ادراك الحق من الباطل ، وادراك الصحيح من الخطأ ، وهو وعي تميز به هو بمعرفته لانتمائه لآل بيت الرسول(عليه السلام) تحديداً، وهو بذلك فضحٌ لحكام بني أمية، وانبعاث الروح النضالية الرافضة ل
الإمام الحسين (عليه السلام) ..القدر الأزلي
نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 03:56 م