مالك المطلبي اللحظات التي يعيشها الانسان مع بدر شاكر السياب تكاد تكون لحظات باكية المأساة التي عاشها الرجل هي ذاتها الاسئلة التي توجه لنا والتي يكون محورها انه كان دعامة فكر جحدناه ! وكل رد يحمل تبريره .. ولكن ثمة حقيقة تظل شاخصة .
دخل الرجل الحياة وخرجها ونحن من حوله نشاهد ونسمع دون ان نتحرك .. وحين كانت حركتنا هي الفعل المنقذ .. لهذه الحقيقة او هذا المشهد ندعو ونحن نمر في ذكرى وفاة السياب الا يتكرر.- وفي هذه العجالة سنركز على نقطة واحدة تضمنها شعر الرجل الغزير.. وكانت هي مدخل حياته وفكره على السواء.. تلك هي الموت والحياة فقد كان يقف على الجسر المبتدئ بالحياة المنتهي في الموت .. لا يكاد يتحدث عن شيء الا وقد رأى طرفي الجسر فينزع الى الحديث عنهما ولهذا فالذين يودون ان يحصوا مفردات شعر الرجل سيجدون حتما سيلا من المفردات المتضادة تمثل جميعا الموت والحياة ومرتكزا على قصيدة "منزل الاقنان" يقوم على هذا الاساس المدينة المتهدمة .. المدينة الخراب تلك حقيقة والحقيقة الاخرى ذاتها يوم ان كانت حية.. وبين هذين الواقعين تجري القصيدة .. ومن خلالها ايضا يبرز الشاعر ليؤكد هذه الحقائق وليكون المستخلص الاول لنتائجها .. البادئ طريقه من خلالها .؟ونستطيع ان نتعرف على جملة الاشياء التالية:الشيء الاول : المدينة تحولت الى اطلال وان ظل بها من ان الحياة تمثل في الابواب فان الزمن سيقرضها شيئا ليقطع اسباب الحياة ...الشيء الثاني: ان مادة هذه المدينة الميتة هي الفراغ .. الربح .. الاصوات الغامضة .. البوم ذو النوح المستمر وسلم خشبي محطم تصعد عليه الريح والواحة كالواح سفينة بلا ملاحين تقبع في شدق الموج."خرائب فانزع الابواب عنها تغدو اطلالاخوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها الى الصبح تطل عليك منها عين بومدائب النوحوسلمها المحطم مثل برج دائر مالايئن اذا اتته الريح تصعده الى السطحسفين تعرك الامواج الواحهولكن ثمة شيئا هو اشبه بالاثر الذي لن يستطيع الزمن ان يمحوه .. الانسان بكل جبروته قد انقرض كجنس وحقيقة من الجانب الآخر تنبعث الحياة فجأة ... من عنصري الحياة الآخرين : الحيوان والنبات ليردا على هذا المكان الذي استحال الى جثة صمت كما صوره المرحوم السياب ليردا حياة اخرى مغايرة تماما للحياة الاولى او هي عكسها تماما فمحل الانسان يحل الشبح والظلام وعالم الانسان النور .. وهكذا تتحرك الصور في هذه الحياة ثم اذا بالشاعر يعطي القدرة الكاملة للاشباح ان توقظ هذا الجيل المنقرض وتبشره وهو غارق في ظلام موته بان النور قد انبعث في الساحة فيتحرك الجيل كله متمثلا بامرأة هي ام تهز مهد ابنها الصارخ مرددة انشودة الموت:وتملأ رحبة الباحة ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافيرنعد خطى الزمان بسقسقات والمناقيركأفواه من الديدان تأكل جثة الصمت وتملأ عالم الاموات بهسهسة الرثاء فتفزع الاشباح تحسب انه النورسيشرق فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحة الى الغرف الدجية وهي توقظ ربة البيت لقد طلع الصباح وحين يبكي طفلها الشبحتهدهده وتنشد ياخيول الموتفي الواحة تعالي واحمليني : هذه الصحراء لا فرحيرف ولا امن ولا حب ولا راحة!****فالمدينة الميتة كانت تحمل بذور موتها وهي حية اما لماذا كل هذا فان الاجابة واضحة : الجوع. حتى ننتهي من الجوع تنتهي المدينة من موتها.ينتقل الشاعر في المقاطع التالية الى شكل واضح مباشر ليستعرض فيه المدينة الحية مصورا حياتها بدقة ثم يشير الى لحظاتها الاخيرة وهي تموت بين انياب الجوع .. المدينة هي منزل وسكان هذا المنزل مستعبدو الجوع."الا يا منزل الاقنان كم منساعد مفتول رأيت ومن خطى يهتز منهاوكم اغنية خضراء طارت في الضحى المغسولبالشمس الخريفية..تحدث عن هوى عاريكماء الجدول الرقراق كم شوق وامنية وكم الم طويت ... وكم سقيتبمدمع جاريوكم مهد تهزهز فيك كم موت وميلادونار اوقدت في ليلة القر الشتائيةيدندن حولها القصاص يحكيان جنيهفيرتجف الشيوخ ويصمت الاطفالفي دهش واخلادكأن زئير آلاف الاسود يرن في وادوقد ظلوا حيارى فيه ثم ترن اغنية اتي قمر الزمان ودندن القصاص:جنيهوبؤسهم المرير: الجوع والاحزانوالسقموطفل مات لما جف در ماتت المعزى وجاعت امته فالثدي لا لبن ولا لحمسمعت صراخها والليل ينظر نجمة غمزاوولولة الاب المفجوع يخنقصوته الالم"وفجأة يبرز فكر الشاعر السياب هل الجوع هو الم الالام . هل هو اساس الشقاء المهم ان جوابه يأتي بالنفي وربما كان ذلك متأتيا من قوة المرض.. من الموت الذي يداهمه كل لحظة فيرتفع صوته طالبا ان يمنحه الجائعون كل جوعهم ليأخذوا مرضه المرض هو اساس الالم الانساني ثم ينسدل عالم القصيدة بالعودة الى المدينة الميتة وهو يدعو لها بالحياة وما حياتها الابأن يتخلص من الجوع فيدعو لها بالمطر رمز الحياة الذي استخلصه لنفسه كثيرا وربما جاء من جلود تفكيره كعربي عاش مجتمعه في جل مراحل تاريخه وهو يدعو ان يعم المطر ارضه.. وهكذا فالمطر الرمز الذي يبعث الحياة بالمدينة سيلثم قبر الشاعر ايضا .. حياة للمدينة وبكاء على الشاعر الذي عاش حياته مأساة:ولو خيرت ابدلت الذي القي بما ذاقوا ممض ما اعاني : شل ظهر وانحنت س
نظرة في قصيدة منزل الأقنان
نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 04:12 م