اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > وداعا يابدر ...

وداعا يابدر ...

نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 04:27 م

محمد مهدي الجواهرياخي بدر .. اننا جد حزينين عليك حزنا متوهجا اليما صادقا لا ابدا انك وانت في المكان الاعلى من سماء الوطن الحبيب لتدرك وتحس مدى وتلمس مدى ضرمه ومدى الله ومدى صدقه .. اننا حزينون يا بدر على خسراننا اياك، وانت في عز ريعان الشجرة المعطاء والاوج من ذروة السحاب السخي الممطر وفي الصميم من قوة الفجر الزاحف .. من لطفه من روعته ..من خلقه وابداعه..
لقد كنت يا بدر هبة سخية من هبات الزمن الضنين .. ومع هذا فهي هبة مستردة قبل الأوان ، مسترجعة في ابان حرص الموهوب عليها..وفي قوة اعتزازه بها وفي سورة تفتحه على وعيها وادراك جوهرها وفي غمرة احساسه بلذة فهمه اياها وقيمة تجاوبه معها.. تجاوبه مع اصدقائه الحلوة المنغمة .. لقد كنت يا بدر قيثارة مسحورة يتراجف على شفاها الم شعب لم يتعلم الا قليلا .. عظمة مع الالم معنى سره.. معنى خيره وشره.. معنى عواصف جبارة ينطوي عليها غصن خلاق ينشد به .. معنى يأس مدمر وبناء من جديد ايضا ينداح فيها.لقد كنت يا بدر يا شاعر يا قيثارة ، املا ابيض مجسدا ينبثق من سويداء الالم الاسود القاتم كما ينبثق عطر العود من المجمر المحترق من خلال النار والدخان..لقد كنت انت بالذات بلحمك .. وبدمك باعصابك .. بعظامك .. ومن وراء كل ذلك ، فبروحك وانفاسك .. كنت ذلك المجمر وذلك العود وذلك الضرم الاكال وذلك الدخان .. ومن وراء ذلك ايضا بل من اجل كل ذلك فقد كنت عطرا ذكيا وارجا ذكيا بفارق واحد مشرف هو الخلود .. اذ يفنى كل عود ، واذ يطير كل دخان واذ يحرق نفسه كل مجمر ثم اذ تأكل الرياح العاقة كل عطر..لقد كنت يا بدر جسرا ذهبيا حيا يعبر عليه بثقة واعجاب ولطف واعزاز كل هذا الموكب الساحر من دنيا الشعر العربي الفخم الضخم الخالد المنحدر عبر العصور الى الضفة المقابلة من الارض الجديدة التي تجاوزت وتفاهمت مع القمر في اجرأ محاولة واخصب تجربة حاولها الموهوبون للتدليل على ان روعة الموسيقى في الحداء العربي وانسياب النغم ورقة الصياغة ومتانة السلاسل الذهبية الى جانب نعومتها يمكن ان تنصب كلها في قوالب جديدة متطورة مستساغة دون ان نقصد أي شيء من خصائصها ودون ان تربح بها وتتنافر معها وتفيض عليها او تتقلص عنها تلكم القوالب ودون ان ترفضها الارض الجديدة التي تحط عليها. كنت يا بدر .. خلافا مبدعا وليت كل الناس يدركون كيف يكون الخالق المبدع لماذا وكيف وبأي ثمن.. كنت مبدعا خلاقا بمحض انك تحيل كل عقبة في سبيل الابداع حافزا اليه وكل خسارة او مصيبة وكل ضعف او عقدة هي والخلق عند الموهوبين طرفا نقيض..كنت تعبدها توأما للخلق وجزءا من الابداع ومركبا ذلولا اليه.. ومع هذا وبشيء من التفاؤل .فقد اقتحمت اخيرا اسماع الجيل ونفذت منها الى مسارب الوحي منه اصداء الخالقين المبدعين ففهم وان بعض الشيء عن مدارجهم في متاهات الحياة .. عن مدى معاناتهم شرورها وعن مدى فداحة الاثمان التي دفعوها من اعراقهم واعصابهم .. اخيرا فعن مصارعهم شهداء حرف حني نابض وفداء كلمة نفاذة .. خيرة وضحايا مجتمع يكابدونه وطعام مشاعل يوقدونها ..وها انت يا بدر فيما تنساب على الافواه وفيما تتلامح وتدافع على السطوح من شاشات الضمائر وعلى حفافها واحيانا فحتى في الصميم من اعماقها الصور الحزينة المثيرة لحياة مرة عشتها واوجاع مزمنة في الروح والبدن كابدتها ونهاية ومؤلمة ومنذرة انتهيت اليها وانت في طريقك الى حدث مريع..ها انت يا بدر .. في كل ذلك واشباه ذلك لدليل على وعي جيل عن جيل .. وعلى وفاء عصر عن عصر وناس عن ناس وتبدل باخر وميزان بميزان.وبكلمة واحدة فعلى انفتاح في سبل خيرة تخلفنا عنها زمنا طويلا وحق علينا مضاعفة السير فيها واغذاذ الخطو عليها اذا اردنا التعويض في اللحوق بركب الصاعدين لقد كنت يا بدر شهيدا من شهداء افذاذ سيكتب لهم اجر الشهادة وثوابها الف مرة ومرة على قدر ما ماتوا وحيوا ثم ماتوا وحيوا الف مرة ومرة فهم بذلك شامخون على كل شهيد على كل فارس عن كل معارك يشمخون ان ماتوا الف مرة ومرة في ظروف واجواء تزدحم بالف نوع ونوع من الموت من القتل من القدرة على الاحياء بعد الموت بمحض ان يذوق الشهيد موتا جديدا وعلى يد الف جلاد وجلاد اهونهم جلاد الحاجة وغول الاحواج انه يبدو ملاكا اذ يقف الى جانب اول جائعة وزواحف مسحوقة واشباح كأنها طلع الشياطين.لقد كنت يا بدر في حياتك المتجددة العذاب من تلكم الكتل المرهفة المرهقة باعصابها .باحاسيسها برقتها .والتي وهبت نفسها مضغة قلب طاهر يتلاقفها ليعصرها بين كلابتيه حقد الحاقدين وجحود الجاحدين ونكران الناكرين وعقوق العاقين ورجوم الراجمين وبينها كلها يطل بوجهه المخيف الخبث وحش يشمخ عليها كلها هو رحمة الراحمين.وداعا يا بدر والى اللقاء فأول مرة يتاح على اديم هذا الوطن الحبيب ان يحيي متغرب عائد متغربا لن يعود .وداعا لذكريات حلوة جمة مترابطة لم تنفرط - وانت سماواتك تشهد على ما اقول - عقدها ولا انفصمت سلسلة من سلاسلها ولم يخبطها خابط ولم يكن لي خلالها وعلى طولها وعرضها وعمقها راي فيك او حكم عليك او بخس لموهبتك او جحود لعبقريتك.وداعا يا بدر وداعا..الكلمة نشرت بعد وفاة بدر مباشرة ثم اعيد نشرها في ملحق جريدة الجمهورية 1978

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

كلوب بعيد عن تدريب المنتخب الأمريكي بسبب "شرط الإجازة"

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram