شاكر الأنباريلم يعد أمامنا سوى أسابيع معدودة على الانتخابات. والجميع تقريبا يعوّل على تغيير كبير في البنية السياسية، في تنافس ينبغي ان يكون نزيها بعض الشيء، ولا يكرر اجواء الانتخابات التي جرت في ألفين وخمسة. وعبر تجربة السنوات الأربع الماضية لاأحد يرغب في تكرار الاصطفافات الطائفية،
ولا ما نتج عنها من قتل على الهوية، وتهجير، وهدم لبنية المدن، وخاصة بغداد العاصمة. تلك الاصطفافات دفع ثمنها العراقيون غالياً، وهم لا يريدون تكرارها.. لكن الدخول الى اجواء انتخابات نزيهة يتطلب كثيرا من الأسس، لا بد منها لكي يعبر البلد الى ضفة الأمان. فثمة مطلب ملح يتمثل بعدم تدخل الحكومة، عبر اعلامها أو مؤسساتها، الى جانب أي من الأطراف. وان يبقى الجيش والشرطة محايدين، لا يسهّلان لبعض الكتل دعايتها الانتخابية، او يشاركان في منع او ترويج الملصقات. وهذا ما سيجعل تلك المؤسسة الأمنية محط تقدير الناخب وثقته. لا سيما وقد جرب عمليات التزوير الكبيرة في ظل الميليشيات، وترويع القاعدة، وهيمنة الخطاب المذهبي، في حمأة القفز على الثوابت الوطنية من أجل منافع طائفية وحزبية وقومية. من هنا تصبح لمتابعة الدعاية الانتخابية، ونمطها، وخطابها، من قبل مراقبين دوليين، ومن الجامعة العربية، والمنظمات المستقلة، اهمية كبيرة في توجيه البيئة الانتخابية نحو التنافس الحر والنزيه، حتى تصبح العملية الديمقراطية ذات مواصفات معترف بها من قبل المعادين قبل المؤيدين والأصدقاء. أما ما أثار حفيظة المراقبين في الانتخابات السابقة، وينبغي الا يتكرر اليوم، فهو الطعن، والغمز ببرامج وتوجهات ائتلافات وأحزاب مناوئة سياسياً، او يمكن ان تهدد هذا الطرف او ذاك بالحصول على مقاعد سواء في مناطقها او في مناطق اخرى. عملية الطعن، والتخوين، والتكفير، والتنبيش البوليسي في الملفات، عملية سهلة. وهذه بديهية. وليس هناك طرف سياسي لا يمكن النيل منه، والتلفيق له، تحت هذه الذريعة او تلك، خاصة ان السنوات السابقة شهدت مخاضا عسيرا لجميع القوى السياسية. فالديمقراطية آلية معقدة، ومتنوعة، ومتعرجة. هي ليست وصفة جاهزة او ناجزة، هذا اذا سلّمنا جدلا بأن كل القوى الموجودة في قائمة الانتخابات تؤمن بالديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وحق الآخر بابداء الرأي والاختلاف. أعطت المرحلة السابقة دروساً عميقة للجميع. وتجاهل تلك الدروس يعني قصوراً في الاستيعاب السياسي. ولعل أهم تلك الدروس ان عملية سياسية تتلولب حول المذهب، والدين، والقومية، لا يمكن لها قيادة سفينة الوطن الى بر الأمان. وأن تسخير العنف في حل المشاكل المستعصية، أو تأكيد الرأي، طريق مسدود. ورفضه الشعب بوضوح، دافعاً ثمن رفضه ذاك بحيرات من دمه. كما يستحيل حكم بلد متنوع اثنياً، ودينياً، وعقائدياً، وحزبياً، عبر لون واحد، سواء كان ذلك عبر حزب او طائفة او قومية. وكان التأكيد الفاقع لفشل تلك الرؤية حقبة البعث. ثمة قوى سياسية تعتقد انها تمتلك وحدها الحل لمأزق الوطن. وهي واهمة جداً، فالخارطة المعقدة لا يمكن ان تختصر بقراءة واحدة. ومن هنا يصبح وضع قاموس جديد للسياسيين العراقيين أمرا ملحا وضروريا. القاموس القديم، وهذه حقيقة غذتها التجربة، لم يعد ملائما لقراءة الواقع الجديد.
وقفة: الانتخابات النزيهة..
نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 05:56 م