TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > جبرا ابراهيم جبرا: المثقف رساما ً

جبرا ابراهيم جبرا: المثقف رساما ً

نشر في: 1 يناير, 2010: 05:24 م

خالد السلطانيلا يشك احد بان انجازات العقد الخمسيني في الثقافة العراقية كانت انجازات مهمة ومتشعبة وتجديديةً ، وربما ساهمت انجازات ذلك العقد " البطولي " : الفريد وشديد الثراء في خلق مبدعيه المعبرين عن منجزه المتشعب والمتنوع بصدق وجلاء واضحين ؛
 وقد يكون حدث " مصادفة " تواجد العدد الكبير من المبدعين ابان تلك الفترة ، هو الذي اكسب تلك المرحلة الزمنية من تاريخ العراق الثقافي تلك الاهمية الفائقة ؛ الاهمية التى ما برحت تأثيراتها تبدو واضحة وقوية على مسار تطوّر مجمل الاجناس الابداعية العراقية . وايا ً يكن الامر ، فان العقد الخمسيني سيظل يمثل اهمية استثنائية في سجل المعطي الثقافي العراقي ، نظرا لتشعب ذلك المعطى وشموليته ونَفسَه التجديدي ، .. وأحد الذين عبروا وساهموا وابدعوا في تلك الفترة هو " جبرا ابراهبم جبرا " ( 1920- 1994 ) – " الكاتب الشمولي الموسوعي " ، بحسب وصف " فخري صالح " له ، والذي تحل ذكرى رحيله الحادية عشرة في هذه الايام . يتعين التأكيد بادئ ذي بدء ، بان جبرا ابراهيم جبرا ، وبحكم مرجعياته الثقافية الرصينة والمتنورة قد وعى بصورة جيدة اهمية الاحداث الدراماتيكية والتجديدية التى كان يمور بها المشهد الثقافي العراقي وقتذاك ، تلك الاحداث التى افضت في النتيجة الى تكريس مفاهيم جديدة وحداثية في مجالات ثقافية عديدة ساهمت ، بالاخير، في تغيير الذائقة الفنية وبدلت من اساليب التعاطي للمنجز الثقافي بتجلياته المتنوعة . كما ان ذلك الوعي اقترن ايضا لدى " جبرا " بممارسة نشطة وجادة ومتنوعة في مجمل المنجز الثقافي العراقي ، فهو بالاضافة الى كونه روائيا وناقدا فنيا ، ومترجما وصحفيا ، فانه ايضا .. رسام ، ساهم بابداعه الفني في ترسيخ مبادئ التجديد والحداثة في الفن العراقي ، جنبا الى جنب اصدقائه وزملائه في " جماعة بغداد للفن الحديث. قد يجادل المرء في اساليب ونوعية اصطفاءات " جبرا " الثقافية ، ومسعاه في تركيز الانتباه باتجاه جانب محدد ومنتقى من الثقافة العراقية ، ولا سيما في تجلياتها الفنية ، وعدم اكتراثه وحتى تغاضيه عن تناول الجوانب الابداعية الاخرى من تنوعيات الفن العراقي التى اكسبت ذلك الفن ثراء اسلوبيا واسست لاصالته المتميزّة . بيد ان الامر الاكيد بان مسعى " جبرا " التنويري والتجديدي كان امرا واضحا ومعترفا به . فقد ظل ، بفضل معرفته الواسعة لاساليب النقد الحديث وتنوع نشاطه الثقافي مرجعا ً رصينا ً ومعتمدا ً لانجازات الفن العراقي الحديث وخصوصا في سنينه التأسيسة ، ولم تقتصر متابعته في الشأن الفني فقط ، وانما شملت جميع اجناس الثقافة الاخرى ، بضمنها العمارة العراقية الحديثة ، التي كان " جبرا " احد المعجبين والمتابعين والمروجيّن لانجازاتها على مدى اكثر من اربعة عقود ، وهي الفترة التى وصل بها الى العراق لاول مرة عام 1948 ، قادما من بلده فلسطين ، ولحين وفاته عام 1994 . واعد شخصيا روايته " صيادون في شارع ضيق ") التى ظهرت ترجمتها الى العربية سنة 1974 ) بمثابة ايماءة اعجاب الى بيئة بغداد المبنية ومناخها " المتروبوليتاني " من خلال الحضور المميّز لشارعها المهم في الرواية : شارع الرشيد – الجادة الاكثر شهرة وفخامة في فضاء العاصمة العراقية . كما اذكر زيارتي له بالتسعينات في دارته بالمنصور في شارع الاميرات ، الشارع الذي خلده بكتابه "شارع الاميرات " الصادر عام ( 1994) ، للاستفسار منه عن نشاط المصور الفوتوغرافي " جاك برسفيل Jack Persival " ، الذي عمل معه في مجلة " اهل النفط " في الخمسينات ، والذي سجل بعدسته الرائعة منجز العمارة العراقية الحديثة بشكل خاص ، والبيئة المبنية والاجتماعية العراقية بشكل عام ؛ وقدمّ لي ، في حينها ، جميع المعلومات التى اكتنفت حياة ونشاط هذا الفنان الانكليزي ، الذي يعود له الفضل في تأسيس فن " الفوتوغراف " العراقي الحديث . ... امتلك في ارشيفي الخاص مجموعة صور لاربع لوحات مرسومة من قبل " جبرا ابراهيم جبرا " ، تعود الى فترة الخمسينات وتحديدا الى 1951- 1957 . لا اعرف بالتحديد مصير هذه اللوحات ، واين الان مستقرها ؛ وازعم بان الكثيرين من محبي نتاج " جبرا " لا يعرفوا عنها الكثير ، كما انها لم تظهر في غالبية المطبوعات التى تناولت ارث " جبرا " الفني . اقدم هذه اللوحات الى القارئ ، داعيا النقاد المختصين لابداء الرأي فيها ، محاولا هنا ، ابداء تعليقات شخصية وسريعة عنها . تنتمي جميع اللوحات الاربع الى خصوصية " المناخ " الطليعي والتجديدي الذي كان سائدا في الخطاب الفني العراقي بالخمسينات ، المناخ المتـّطلع نحو المقاربات الفنية الحداثية ، والتائق الى مجاراتها وتبني اساليبها الفنية بذائقة محلية متشكلة من اجتهادات ذاتية لتفسير تلك المقاربات ومحاولات محض شخصية لفهمها . ولئن كان اكثر الفنانين العراقين المجايلين له في تلك الفترة ، سعوا وراء ترسيخ " ث

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram