افراح شوقيلعل وجود الحواجز الكونكريتية الصماء والتي غدت تتناسل بسرعة غريبة سيظل جاثماً على صدورنا، وربما سيطبق عليها يوماً، هكذا إحساس راودني فعلا وشعرت به - لأول مرة- يجثم على أنفاسي وانا أروم الوصول الى مقر جريدتي (المدى)،
فطريقي كان يمر يوميا عبر جامعة بغداد، في الجادرية، وحقيقة كنت اجهز حالي لأعبئ ناظري بتلك الفراشات الندية من طالباتنا الجامعيات وهن يتبخترن بزيهن الابيض والرصاصي ويتابطن كتبهن في مجاميع هنا وهناك، كأنهن في ليلة عرس صباحي بهيج، كنت ارى فيهن وفي شبابنا ايضاً من طلبة الجامعة حلم مستقبل جميل، وآمن قد يحمل عنا مهمة اعمار وبناء بلد امتد به الخراب لزمن طويل، اقول ان مروري اليومي من أمام بوابات الجامعة كان يزيح بعضا من التعب اليومي من زحام متربص بشوارعنا ليل نهار، ومن مشاهد الدمار والخراب والالم، لكن خيبة الامل اصابت احلامي كما في كل مرة، عندما اغتالت جيوش الحواجز المقيتة لوحة الجمال وداست بلا رحمة فوق العشب وأحالته خراباً، كنت وحدي اسمعها تقول بصوت لا يخلو من شماتة ان لا مكان للجمال في البلد، مادام الأمان عصياً علينا ، وصرت الحظ علامات استياء على وجوه طلبتها وهم يمرون بصعوبة من بين تلك الحواجز التي طوقت جامعتهم ، قيل لي ان الجهات الامنية لجأت الى وضع الحواجز الكونكريتية تلك تجنباً لاية اعمال تفجير مرتقبة اثر وصول تهديدات بذلك من قبل قوى الظلام، ومنعت كذلك أي سيارة لمدرسي ومنتسبي الجامعة من الدخول، مما تسبب بزحام واشتباكات كثيرة في الطريق المؤدي اليها، وتساءلت وقتها ترى هل ستفي تلك الحواجز بالغرض بعد ان اثبتت فشلها قبلا وهي لم تستطع تفادي اضرار التفجيرات السابقة من امام دوائرنا الحكومية؟ وعلام اذن تتمركز سيطرات التفتيش كل أربعة أمتار في شوارعنا اليوم، وقد احالت المرور فيها الى نفق ضيق والسيارات الممتدة فيه تتحرك بخطوات (التاتي تواتي) كما يقال؟ ولا احد يسمع بالطبع حسراتنا نحن المحشورين داخلها كوننا لم نمتلك بعد السيارات المصفحة ذات الزجاج المظلل و الابواق العالية التي تفتح كل الطرق المسدودة بعبارة لا تتشابه بالتأكيد مع عبارة (افتح ياسمسم)، وفي عودة لمضار تلك الحواجز والتي اشرها الطلبة هو انها وضعت دون دراسة، واوقعت سواق خطوط الطلبة في حيرة وهم يبحثون عن متر فارغ مسموح فيه بإنزال الطلاب، وهم مضطرون للمشي مسافات طويلة للوصول الى الجامعة، كما ان العابرين امثالي صاروا ينتظرون لفترات تصل الى ساعة ونصف الساعة او اكثر لمجرد اجتياز جسر الجادرية، بعد ان كان الوقت المستغرق خمس دقائق فقط، والسبب هو السيطرات الأمنية المتواجدة بكثافة كبيرة، وزادتها الحواجز الكونكريتية التي اكلت ماتبقى من الشارع، والمواطن المسكين صار يضرب اخماساً في أسداس حول طريقة ناجحة لاستتباب الوضع الأمني دون الدوس على مشاعرنا ومناظرنا وشوارعنا وامنياتنا لتلتحق بأدوات الإرهاب هي الاخرى!.
نافذة المواطن: حواجز صماء
نشر في: 1 يناير, 2010: 06:19 م