جميل الطائيفي الوقت الذي كان يدفع ضريبة الشهرة من سخرية الناس واستهزائهم كان انسانا طيبا هادئ الطباع طيب المعشر دمث الاخلاق الى درجة عالية ولم يعرف الحقد يوما طريقا الى قلبه الحنون كان وفيا ومخلصا لاصدقائه ومعارفه الى حد كبير جدا صادق المشاعر له ذكاء حاد بحيث كان يشعر بان محدثه يخفي سخريته تحت ستار من الجدية
الا انه كان لا يلتفت الى ذلك ولا يكترث او يتأثر نعم هذا هو حسون او كما كان يعرف بين الناس بـ (حسون الاميركي) ولد حسون كاظم عيسى العبيدي في بغداد وعلى التحديد في محلة الصليخ القديم في الجانب الشرقي من بغداد عام 1929 اكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة الاعظمية الاولى للبنين كما اكمل تعليمه الثانوي في ثانوية المشرق الاهلية (المغلقة) ولم يسعفه الحظ ليكمل تعليمه العالي اقول: ان حسون الخمسينيات ابرز من ارتدى لباس (الجينز) أي (الكاوبوي) الاميركي والذي لم يكن قد عرف في تلك الفترة بين الشباب العراقي اذ كان مجتمعنا يومذاك لما يزل بعد منغلقا على نفسه الا من بعض الاشخاص الذين سبق لهم ان زاروا البلاد الاجنبية او عن طريق الافلام الاجنبية التي كانت تعرض في دور السينما عندنا ويوم لم يكن التلفزيون قد عرف طريقه في البيوتات البغدادية بعد حسون الذي ما ان اكمل دراسته الاعدادية او ووجد نفسه مغمورا على الرغم من احساسه بشخصيته في البدء اراد ان يكون مشهورا ولم يجد امامه سبيلا لمخالفته الاخرين في لباسهم وتصرفهم وكانت بدايته مع حذاء (الجمجم) ذي مقدمة مرتفعة و (معكوفة) الى الخلف وهو اشبه ما يكون (بالمشحوف) النهري بشكله المغري والذي كان قد اشتراه من احد المخازن الهندية ببغداد ويدعى (باينير) ولم يكن (الجينز) او الكاوبوي كما قلت معروفا يومذاك لذا فقد استغرب المجتمع البغدادي عندما رأي شابا يسير في شوارع بغداد وطرقها مرتديا زيا غريبا مزيجا من الكاوبوي والجمجم وسرعان ما بدأ الناس يتساءلون عن هذا الشاب فعرفوا بانه حسون ولتفرقته عن باقي (الحساسين) اطلق عليه اسم (الاميركي) وهكذا عرف هذا الشاب بانه حسون الاميركي فكان يقابل في كل مكان بالاستهجان الذي اختلف باختلافات ثقافة الفرد ومركزه الاجتماعي ولكن هل اهتز حسون امام هذا الاستهجان؟ كلا لان ذلك الاستهجان باعتقاده كان دليلا على معرفة الناس به وانه بدأ يطرق ابواب الشهرة وقد ساعد حسون في الحصول على الثياب الغريبة ذات الالوان الزاهية والنقوش المختلفة منها على سبيل المثال، البط او النمر او الصقر على صدره والتي كانت تمثل زيا غريبا بالنسبة لابناء بغداد اقول: لقد ساعد حسون في حصوله على هذه الملابس الغريبة من عمله في المستشفى مع الاطباء الذين احبوا بدورهم زيه وخطه في الحياة وكان حبهم له ممزوجا بالسخرية التي كان يتقبلها حفاظا على الهدايا التي كانوا يغدقونها عليه عند رجوعهم من الاسفار حتى ان بعضهم كان عندما يروم السفر الى خارج البلاد يرسل بطلب حسون ليسأله عن حاجته لكي يجلبها له من الخارج ولم يكتف حسون هذا بارتداء الازياء الغريبة فقط بل انه تعداها الى التصرف الغريب فكثيرا ما كان يسير في شوارع بغداد مستصحبا معه كلبا كان يستعيره من احد معارفه من الاطباء ممن كان يسكن في منطقته وكثيرا ما كان ايضا يصعد الى الباص مستصحبا معه الكلب (ولف – دوك) ويقطع له بطاقة دفعا لاستهجان الركاب فلما احس الجابي نفور الركاب واستهجانهم وتخوفهم من الكلب وراحوا يسمعونه الكلمات النابية لم يكترث حسون لكل ذلك وانما التفت الى الجابي قائلا: انه خير منهم جميعا! ولم يكن حسون يكترث يوما بنظرات الناس اليه وسخريتهم منه لسببين الاول: كانت السخرية تمثل لحسون الشهرة واهتمام الناس به اما السبب الثاني: فهو اعتقاده بان الناس هم اقل درجة منه من حيث الرقي وانه سابق لزمانه اجل لقد كانت لحسون نظرة بعيدة جدا لمثل هذه الاعمال التي كان يقوم بها ففي احد الايام سأله احد زملائه في الدراسة عن حذائه (الجمجم) هذا فكان جواب حسون له: "لا يستغرب هذا فانه سياتي يوم يلبس فيه الشباب اكثر غرابة مما ارتديه الان". وكان له ايضا ذوق رفيع ففي المساء كنت تشاهده يرتدي بدلة انيقة تنسجم الوانها مع قميصه وربطة عنقه وحذائه كما كان من اوائل من ارتدى السترة (السبورت) الزرقاء ذات الازرار الذهبية و (البنطرون) السرج الرصاصي وكان يسير وهو يحمل بيده علبه سيكاير (افرنجية) لاكمال مظهره ومن مواقفه الطريفة والغريبة ايضا نذكر: انه كان في زيارة احد اصدقائه من طلاب (دار المعلمين العالية) كليه التربية حاليا وعند جلوسهما في نادي الدار المذكورة طلب ان ياتي له عامل النادي (بالجاي والحليب) وما ان قدم له ما اراد طلب منه ايضا ان ياتي له بقصبة بلاستك كتلك التي يشرب بها مشروب البيبسي كولا، واخذ يمتص عن طريقها الشاي والحليب ولم تمض لحظات حتى ذابت تلك القصبة نتيجة لحرارة المشروب بين ضحكات الطلاب الذين كانوا قد التفوا حوله حال دخوله النادي واستغرابهم لعمله هذا اما عن الاسباب التي دعت حسون لارتدائه الملابس الغريبة هذه فيعود ذلك وحسب قوله لايام حداثته عندما كان يعمل في احدى المهن الحرة حيث كان يواجه التعالي والتكبر والاشمئزاز من قبل بعض اصحاب النفوذ المتغطرسين الذين كان يتعامل معهم مما جعل ذ
ذكريات بغدادية: من هو .. حسون الأميركي..؟
نشر في: 3 يناير, 2010: 03:18 م