TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > معطف الرواد والاجيال اللاحقة

معطف الرواد والاجيال اللاحقة

نشر في: 4 يناير, 2010: 05:47 م

د. سمير الخليل اذا كان بعض النقاد قد قلل من شأن الشعراء الرواد من دون مسوغات مقنعة غايتهم من ذلك رفع شأن شعراء الستينيات بالانتقاص من تجربة الرواد المتفردة حين جعلوا من الستينيين هم وحدهم دعاة التجديد وهم (الموجه الصاخبة) والهادرة التي جرفت كل الزبد الذي كان يطفو على سطح الشعر لما يمتلكونه من (وعي للتجديد) وقدرة فائقة على فهم الحداثة واحداث التغيير المنشود،
فثمة دراسات نقدية اخرى كانت تدور حول لغة الرواد ومضامين قصائدهم وغلوهم في توظيف الاساطير وبعدهم عن الحداثة بسبب ضعف ثقافتهم. ولقد حاول بعض اولئك النقاد ان يصموا ثقافة الرواد ووعيهم الشعري بالضعف وضيق الأفق، ولو تصفحنا ما عرضه سامي مهدي في كتابه "وعي التجديد والريادة الشعرية" لوجدنا، يصر على ضعف ثقافة السياب وعلى "ان المصادر الثقافية التي توفرت للسياب كانت محدودة، ولم تكن تلك المصادر تتيح له قدراً محدداً من الثقافة"، مع ان كثيرا من الدراسات الاخرى قد اكدت عمق ثقافته وتعدد مصادرها فقد جمعت بين الموروث والمعاصر والوافد ولا يتسع المجال هنا للخوض في ذلك ويمكنني الاشارة هنا الى بعض تلك الدراسات مثل "الطريق الى جيكور" و"شعر بدر شاكر السياب دراسة فنية وفكرية" لحسن توفيق، و"بدر شاكر السياب حياته وشعره" لاحسان عباس و"الصورة الشعرية عن السياب" لعلي المحادية و"بدر شاكر السياب والمذاهب الشعرية المعاصرة" الذي اكد فيه مؤلفه ان السياب كان واسع الثقافة عميق الاطلاع وقد افاد كثيراً من ثقافته الاجنبية وموروثه الشعبي وتراثه الديني وقدراته الابداعية الذاتية واكد محمد التوبخي مؤلف الكتاب ان الاطلاع على ابداعاته الشعرية ونصوصه المطولة يكفي لتلمس سعة ثقافته. اما ما يتعلق بالحداثة الشعرية لدى الرواد فقد نشر سامي مهدي مقالاً بعنوان "الرواد لم يعطوا الحداثة حقها" ومما ورد فيه "ان شعراءنا الرواد لم يستفيدوا استفادة معقولة من الفرص التي منحها لهم التخلص من نظام الشطرين والقافية الموحدة، فقد ظلوا على نحو ما يجترون مضامين اسلافهم، ولم يقدموا الا بعض اللمحات هنا وهناك، لقد ادهشهم المغنم الهين فظنوا انهم بكسر الطوق العروضي قد حققوا اهم الاشياء، وفاتهم ان اثمن الكنوز لم يكتشف بعد ان شعراءنا هؤلاء لم يعطوا الحداثة حقها" ولا ندري ماذا يريد هذا الناقد وغيره من الرواد الا يكفيهم انهم احدثوا ثورة على نظام القصيدة النمطي، واحدثوا حراكاً ثقافياً وابداعياً لم يتسن لمن قبلهم ان يفعله، وتحملوا بسبب ذلك الاتهام بالخيانة والتنكر للتراث المجيد وعانوا ما عانوا بسبب ثورتهم على الشعر العمودي. ويكفيهم مجداً انهم كانوا الرواد في هذا المجال وعلى ايديهم حدث ذلك التغيير الانعطافة في حركة الشعر العربي ابداعاً وتنظيراً، وبجهودهم تمت ولادة القصيدة الجديدة (الحرة)، وهم بذلك اعطوا للحداثة وجهاً، واذا كانوا لم يعطوها حقها فكل فتح جديد لا يخلو من اخطاء او فجوات ولا بد من ان تتبعه خطوات اخرى يسهم في انجازها اللاحقون، ولا بد من اضافات جديدة تسهم في ولادتها اجيال اخرى، الا يكفي الرواد بانهم غامروا واخترقوا الحواجز المنيعة والقلاع الشاهقة وحركوا الساكن ومهدوا السبيل للسائرين من بعدهم؟! وقد طال النقد ايضاً (مضامين) قصائد الرواد ووصفها بعض النقاد بانها قصائد سياسية واحداث عابرة وان بعضها اشبه ببيان سياسي مكتوب بلغة ادبية. وكلام هؤلاء النقاد موضع نظر ونقاش فالمرحلة التي عاشها الرواد وتحديداً (خمسينيات القرن الماضي) كانت تمور بالاحداث الجسام فهناك ثورات التحرر التي عمت الوطن العربي للخلاص من الاستعمار والتبعية، وهناك حركات الكفاح الوطني في شتى بقاع العالم وحلم الوحدة العربية ونكسة احتلال فلسطين، واستبداد الحكام، فالجو العام كان متلبداً بالازمات السياسية والاجتماعية فضلاً عن تسلط الثقافة المتخلفة والنمطية الحياتية، الى جانب سعي الشعراء الرواد المحموم للخروج من اسر الرومانسية والتوجه الى افياء الواقعية والاقتراب من هموم الانسان المعاصر ومشكلاته ومتاعبه، كل ذلك حتم عليهم التعبير عن كل ما يحل بهم وبالانسانية عموماً من احداث ونكبات وبشاعة الحروب التي تنتهك انسانية الانسان وقهر الكادحين وجوع الفلاحين وجبروت الاقطاع، ولم يسجنوا مضامين قصائدهم بما ذكرناه انما كانت لهم قصائد فيها بوح ذاتي انساني النزعة وتقنيات على مستوى الشكل الغني كالتناوب الايقاعي والمعادل الموضوعي والقناع المفارقة والرمز ويكفيهم انهم ابدعوا ونظروا وعمقوا وتوسعوا في ذلك الابداع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram