اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فلاسفة الأنوار والإسلام (1-2)

فلاسفة الأنوار والإسلام (1-2)

نشر في: 6 يناير, 2010: 04:22 م

حسين الهنداوييجمع مؤرخو الفلسفة الغربية الحديثة على موضعة فترة ما يعرف بـ «فلسفة الأنوار» في حدود القرن الثامن عشر، وبشكل أدق في المسافة الزمنية الممتدة ما بين 1670 وقيام الثورة الفرنسية في 1789، التي يصطلحون على اعتبارها «بنت» «فلسفة الأنوار».
كما يتفقون على ان فرنسا وألمانيا، مع إعطاء الأولى مكانة اكبر نسبياً، هما الوطن المشترك لولادة وازدهار تلك الفلسفة. فبالرغم من ان افكارها او بعضها وجدت اصداء وحضوراً في عموم أوروبا تلك، من الجزر البريطانية الى روسيا القيصرية، بدرجات متباينة من الاصالة والقوة، بيد ان فرنسا وألمانيا، وبشكل أضأل انجلترا، كانت نطاقها الأكثر خصباً وحيوية على صعيد ثراء العطاء النظري كما على صعيد التأثيرات الفعلية.وتتمثل « «فلسفة الأنوار» » جوهرياً بتيار فكري جديد ومتمرد، تملكته كلياً نزعة عقلية ونقدية كونية انسانية، اخذت لديه مكانة معيار مطلق الصدق ووحيد. الامر الذي قاده الى اعلان تبنّيه الجريء لموضوعة ان الفكر ينبغي ان يكون حراً مهماً كانت النتائج. من هنا ولدت حتمية تصادمه العنيف احياناً مع سلطة الكنيسة في مجال المعرفة والاخلاق، ومع استبداد تحالف النبالة- الاقطاع في مجال السياسة والحقوق. فلقد شُغفت حركة الانوار بمغامرة السعي لاستئصال أي عقيدة دوغمائية وأيّ يقين قِيَمي موروث مهما كانت الشرعية او المصداقية التي تستندان إليها والشكل التاريخي الذي يتلبسانه، كما لو ان هذا الإستئصال بدا، في المحصلة الاخيرة، الطريق الوحيد لتحرير الإنسان من الأحكام الجاهزة والقناعات الثابتة والقيم الاعتباطية والعبودية الفكرية والسياسية بشكل عام، و«الطريق الوحيد نحو المجد الحقيقي» كما قال ارنست كاسيرر.ومع ذلك فان حركة الانوار لم تطمح ابداً ان تكون مجرد حركة هدّامة او متمردة. انما ارادت ايضاً، بل خصوصاً، ان تقيم على انقاض ما تهدمه، صرحاً جديداً من المفاهيم والقيم الواقعية والسامية في آن، معتقدة ان الانسان بانعتاقه من اسر ومحدودية الافكار الجامدة الموروثة، سينطلق نحو امتلاك وعي انساني وكوني حقاً.بلاشك ان انبثاق «فلسفة الانوار» اقترن تاريخياً وجغرافياً بولادة البرجوازية الليبرالية كقوة اجتماعية جديدة وصاعدة عبرت هذه الفلسفة الى هذا الحد او ذاك عن طموحاتها الذاتية، المحلية والعالمية، التي ما كان لها ان تتحقق دونما تحرير المؤسسات والرؤوس من الاغلال التقليدية التي صمدت لقرون طويلة على شكل يقائن مطلقة، ومقدسة احياناً، الامر الذي فرض تبعاً لذلك حصول ذلك الحدث السياسي الكبير المتجسد بالثورة البرجوازية الفرنسية. غير انه من التعسف بالمقابل، تحجيم «فلسفة الانوار» لتصبح مجرد حركة اجتماعية او اقتصادية او محض غطاء ايديولوجي لهذه الحركة او تلك، مهما كانت عظيمة الاهمية من وجهة نظر التاريخ الفعلي. انما لابد كذلك من الاعتراف ببعدها الجوهري الآخر، الابستمولوجي، الذي يقف وراء حصول ذلك الحدث الأعظم اهميةً من الثورة الفرنسية، بما لا يقاس، والمتمثل في احلال قطيعة جذرية داخل الفكر الاوروبي بين «القديم» و«الحديث» على صعيد القيم المعرفية.فعبر إحلالها العقل محل الوحي، والاستفهام محل الايمان، والحرية والتسامح محل العبودية والتعصب، مثّلت «فلسفة الانوار» ثورة كبرى ضد مزاعم الحق المقدس، الالهي او الوضعي، في تجاوز سيادة العقل او في تكبيل نزوعه نحو الحرية والكونية والحقيقة. ثورة لولا انتصارها لما امكن لأوروبا ان تنتقل من عهد المسلمات الراكدة الى عهدها كـ «عالم حديث».ان تطور الموقف الغربي من الثقافات الانسانية الاخرى يندرج في هذا الاطار كلياً برأينا. فبفضل الروحية الجديدة التي اشاعتها «فلسفة الانوار»، وبفضلها اساساً، بدأ المفكر الاوروبي (الفرنسي والالماني خاصة)، يشعر بالتحرر من الموروث اللاهوتي- السياسي- المعرفي المتعلق بالحضارات الاخرى لاسيما الشرقية منها. ففي القرن الثامن عشر، «كانت شعوب الشرق هي من يجتذب الاهتمام مطالبة لثقافاتها الدينية بحق بالمساواة. فطوال عصر الانوار كان الاهتمام بالشرق والسعي للدفاع عن كامل حقوقه في اخذ مكانة مركزية لائقة في التاريخ الكوني، يقترنان دائماً بسجال نقدي عنيف ضد المعتقدات المسيحية وتبعياتها وانعكاساتها على القيم الاخلاقية والمفاهيم السياسية والاداب والفنون والعلوم، الى الحد الذي اعلن فيه مفكرون غربيون عديدون اصرارهم الشديد على ضرورة شطب مصداقية مجمل الأحداث التاريخية المؤسسة على نصوص الكتاب المقدس، واستبدالها بأخرى مؤسسة على المدونات المصرية او الحوليات الصينية او كلاهما معاً. كما عمل آخرون على اثبات ايجابيات استقلال الاخلاق عن العقيدة الدينية المسيحية عبر التذكير ببساطة ونقاء الاخلاق الكونفوشيوسية او بطبيعة وبراءة قيم البادية العربية مثلاً.كما غدت الاستعانة بالشرق والعودة الى عطاءاته الحضارية المختلفة، وسيلة مثلى لدى مفكري الانوار لدحض مفهوم الكنيسة الذي كان يبدو مطل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram