عامر القيسيالدكتاتورية لاتأتي دفعة واحدة ولا تنزل من السماء بمظلة ولا يمكن لاي شخصية أو اتجاه سياسي ان يفرض دكتاتوريته بجرة قلم كما كان يقول صدام . انها فعل تراكمي يؤدي الى تحوّل نوعي في الفكر والممارسة ،وهذا ما يشهد به تأريخ الدكتاتوريات في العالم ،
فدكتاتورية هتلر وفاشيته جلبتها انتخابات عامة ثم تحوّل من شرعي الى قمعي حتى اشعل الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها ملايين من البشر ، وعندما جاء البعث الى السلطة للمرّة الثانية عام 1968 افتتح عهده بالعفو عن السجناء السياسيين لكن عام 1970 شهد اكتظاظ اقبية الأمن العامة بالمعارضين لسياسة البعث وقد قضى معظمهم نحبه على يدي الجزار ناظم كزار الذي قضى نحبه هو الآخر على يدي سيده صدام ! . الذي يجري عندنا للأسف الشديد بعد سقوط الكتاتورية الصدامية ، هو نشوء اتجاهات دكتاتورية الى جانب العمل المضني لبناء الديمقراطية في العراق ، والاتجاه الاول لاتختص به جهة معينه سواء من الاحزاب الدينية الاسلامية أو من بعض القوى التي تشم من رائحتها أجواء الدكتاتورية السابقة . فنلاحظ تجاوزا على الحقوق الشخصية وتوجها لفرض افكار وممارسات وقناعات الاقوى على الاضعف ( المحرم في محافظة واسط ، منع بيع الخمور والاتجار بها في البصرة وبابل ، غلق النوادي في بغداد ، فصل البنين عن البنات في مدينة الصدر ، منع فتح مقرات بعض الاحزاب بالتهديد والوعيد ، اغتيال بعض الشخصيات السياسية ، فرض الحجاب على المرأة في بعض دوائر الدولة ، استخدام العنف ضد الاعلاميين امام انظار المسؤولين من دون رادع ) . هذه نماذج سلوكيات تتبناها بعض القوى المشاركة في العملية السياسية والتي تنادي دائما ببناء العراق الديمقراطي الجديد ! . قد يبدو الامر من وجهة نظر ثانية استجابة لضرورات آنية اجتماعية وسياسية وانتخابية ، لكن الامر على حقيقته غير المغلفة بالتبريرات هو بناء منظومة ممنوعات تدريجية يتقبلها الشارع الشعبي باعتبارها ضرورات ثم تتحول مع قرارات وسلوكيات اخرى الى واقع حياتي ممارس يوميا تحت مظلة القانون والدستور والحقائق المطلقة امام صمت وعجز القوى الديمقراطية عن الوقوف بقوة امام مثل هذه الاتجاهات التي تجر العملية السياسية برمتها الى منحدرات الدكتاتوريات الصغيرة ويتحول العراق الى كانتونات صغيرة تحيط بالسلطة والمجتمع تختنق في داخلها القوى الديمقراطية والليبرالية التي قد لاتجد ملاذا لها الا خارج العراق ليعيد التأريخ نفسه تحت واجهات واسماء اخرى !! والاكثر ضررا ان السلطة التنفيذية باجهزتها وعدتها وصلاحيتها تتحول الى مشارك فاعل و مهم ونوعي في التشريع ، باعتبارها موجودة في قلب عملية التشريع برلمانا ومجالس محافظات ، والتنفيذ السريع والقوي تحت طائلة العقوبات لـ (المتمرد !) الذي تسوّل له نفسه رفع اليد احتجاجا ذلك ان شرعية القرارات منبثقة من شرعية السلطة وهو الفهم الأسوأ للديمقراطية التي ( نريد ) ان نبنيها على انقاض الدكتاتورية السوداء السابقة التي عانينا من ممنوعاتها ثلاثة عقود ونصف رأينا فيها الويل ، فقد كانت البداية قرارات ( بسيطة ) يصدرها الخال طلفاح حتى وصلت الى قص الآلسن وقطع الرقاب على أحلام البشر !! انذار حقيقي لزحف تدريجي تراكمي لقوى دكتاتورية من قميص آخر غير القميص البعثي أو كما يحلو للبعض ان يسميه الصدامي ، يتسلل الى عمق حياتنا السياسية الجديدة ليقطع الطريق على اي بناء ديمقراطي بل ويخرب المنجز منه وان عجز فانه سيجيّره له وقد فعل ذلك في اكثر من مفصل تحت واجهة الاكثرية والاقلية التي راح الضعفاء ضحيتها الاولى . انذار حقيقي يتوجب على القوى الحية في المجتمع العراقي ، من احزاب وشخصيات ومنظمات مجتمع مدني ، ان تعد عدتها لخوض المعركة الفاصلة مع الارضية التي تنمو فيها طحالب الدكتاتوريات الصغيرة الآخذة في التوسع والانتشار لتشكل في النهاية السمّة ( المقبولة ) لواقع حياتنا السياسية الجديدة . معركة ليس بمعناها العسكري ، عافانا الله منها ومن شرورها ، وانما معركة سياسية فكرية شفافة ونوعية تحافظ على المنجز من تجربتنا الديمقراطية التي استشهد الكثير من العراقيين من اجل بنائها على الرغم من مساوئها الكثيرة !معركة تكسب فيها الشارع العراقي الذي له في النهاية الكلام الفيصل فيمن يريد ولا يريد ، معركة تحتشد فيها كل القوى الديمقراطية والليبرالية لانقاذ حتى من يريدون ان يؤسسوا لجمهورية رعب اخرى من مغبة الانزلاق الى الطريق الذي احرق الاخضر واليابس في العراق ووضعنا في الحالة التي نحن فيها الآن! فالى اين ستقودنا الدكتوتاتوريات الصغيرة القادمة ؟
فــــارزة: الطريق الى دكتاتوريات صغيرة !!
نشر في: 8 يناير, 2010: 07:57 م