عادل الهاشميفي 14 تموز عام 1944 تغرق صاحبة الصوت الذهبي اسمهان في مياه ترعة الساحل قرب طلخا والمنصورة ويسدل الستار على اجمل حنجرة نسائية نافست حنجرة ام كلثوم وتخطت الحناجر النسائية القوية في عصرها لمنيرة المهدية وفتحية احمد ونجاة علي وغيرهن . ولدت في الماء وماتت في الماء وبين الولادة والموت كانت حياة وتألق صوت.
ولدت اسمهان في الباخرة ما بين ديمرجي في تركيا وبيروت عام 1915 من اب اسمه فهد الاطرش (كان محافظا على ديمرجي) وام بارعة الجمال رخيصة الصوت هي عالية الاطرش . بعد ولادتها سكنت العائلة في حي السراسقة في بيروت فترة من الزمن .. وقد اختير والد اسمهان معتمدا لدولة الدروز لدى الفرنسيين وكانت العائلة آنذاك تعيش في ظل طمأنينة رخية .. الى ان اندلعت المعارك ما بين آل الاطرش والدروز من هة وبين الفرنسيين من جهة أخرى ّ فقرر الفرنسيون اختطاف اولاد زعماء الدروز فخشيت الام .. بعد ان فقد زوجها امتيازاته لدى الفرنسيين .. على اولادها فقررت ان تأخذهم وهم حسب تواريخ ميلادهم فؤاد 1910 وفريد 1912 وآمال 1915 هربت بهم الى مصر عام 1923 . وهناك في مصر اخذت الامور تتعقد لولا تدخل سعد زغلول الذي وفر الحماية لهذه العائلة اللاجئة الهربة.في حي الفقراء عاشت هذه العائلة عيشة قاسية اضطرت الام الى العمل في مهنة الخياطة لضمان تربية اولادها الى ان اشتغل فؤاد عاملا عند طبيب اسنان. وفي تلك الفترة ظهرت مواهب فريد الموسيقية والغنائية وكان لا يزال تلميذا يشتغل في الصباح طالبا وفي الظهيرة عاملا في محلات البلاتشي في القاهرة وفي الليل عازفا في قرقة بديعة مصابني.في سنة 1928 تفرغ فريد الاطرش للغناء في المحطات الاذاعية الاهلية.مواهب اسمهان عند فناني عصرها...ان اسمهان كانت مولعة باغاني ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وشقيقها فريد الاطرش اول من اكتشف صوتها بعد عائلتها الملحن النابغة محمد القصبجي فعندما سمعها هتف "هذا صوت من الجنة !" ولما سمعها الشيخ صبح صاحب الصوت الجهوري المديد قال:"عندما ينضج هذا الصوت فسيكون له شأن عظيم ! وكان داوود حسني اشهر ملحني ذلك العصر يتردد على منزل الاسرة يعطي دروسا في العزف على العود لفريد الاطرش .. ولما سمع آمال تغني صباح هذا صوت خارق ومنذ تلك اللحظة اطلق عليها الاسم الذي اشتهرت به (اسمهان) وسجلت اول اغنية من تلحينه حيث قبضت عشرين جنيها ووقت لاول مرة في الاوبرا وامام مئات من المعجبين وهي في الخامسة عشر من عمرها كمطربة محترفة وكان نجاحها وذيوع اسمها دافعا لمحمد عبد الوهاب وام كلثوم .. اعظم حنجرتين غنائيتين في عصرنا كله .. الى التودد اليها وزيارتها ويومها قال محمد عبد الوهاب "ان اسمهان فتاة صغيرة .. لكن صوتها صوت امرأة ناضجة"!شبت اسمهان وهي مؤمنة بكفاءة شقيقتها فريد الاطرش وكانت تقول: "كلما اسمع لحنا لاغنية من اغانيه احس ان الدنيا لا يمكن ان تعادي المبدعين".وغنت لفريد اول لحن من الحانه (نويت اداري آلامي) وهي فتح جديد في الموسيقى والغناء العربي في ذلك العصر ! ولما حصل سوء فهم بينها وبين فريد الاطرش وكانت تحبه على نحو لا يصدق اراد ان يرضيها فكلف المؤلف يوسف بدروس بتاليف اغنية ليقدمها هدية صلح لحنجرتها الذهبية وكانت اغنية (رجعتلك ياحبيبي) التي لحنها فريد الاطرش خلال ساعتين فقط!حنجرة اسمهان الذهبية..على الصعيد الحسي ثمة سبب يدفع صاحب الموهبة الفذة الى ملء الفراغ الذي يدركه تماما من غياب موهبته عن العطاء ان اسمهان تطيع انطباعها فتحاول ان تساهم بصوتها الشامخ في الغناء العربي .حنجرتها تملك شرارات من النشاط والتوهج ليس فيها ما هو فائض عن الحاجة .. انها قوة تصعيدية يشع منها النور والحرارة والعمل .. تغني بطريقة استثنائية .. ان نبرات هذه الحنجرة الصافية القوية الآسرة تكوينية هندسية عجيبة .. ليست فيها رضوض مخبؤة في حنجرتها اطلاقا.اسمهان صوت مغلق كافح فيض العموميات الذي ران على الحركة الصوتية الغنائية . ان جماليته الدقيقة كانت صفة من صفات الانقاذ لواقع الحركة الغنائية فالاصوات الضعيفة في عصرها انزوت بعيدا عن الغناء والاصوات الجهيرة راحت تزيد من دأبها في فنون الغناء . ان الكثافة الجمالية لم تكن مصادفة في حنجرة اسمهان .. انها موجودة في الطبيعة الصوتية .. الا ان التمجيد الحقيقي لصوتها جاء من خلال العنصر المادي الموضوعي الخارجي الذي كفل لجماليته معرفة قوانين الغناء وكانت الالحان التي غنتها قد فتحت بابا للفن التعبيري الدرامي الاخاذ ياخذ موقعه في الغناء العربي! يمكن القول ان الحنجرة اسمهان هي اجمل حنجرة نسائية بعد حنجرة ام كلثوم . صوتها قوي النبرات سليم الاداء كثير المقامات مكتمل فاتن قوي النبرات ابتداء من قراره العميق الى جوابه الصادح الممتد العريض المفتوح.ينتمي صوت اسمهان الى قسم "السوبرانو" القسم الثاني من الاصوات النسائية (الندى الثاني) في التعبير العربي. صوتها يفصح عن انوثة طاغية وطاقة من الحنان الهادر الشفاف في نبرات نبيلة معطرة راقية وهو الصوت الوحيد الذي يمكن له الصمود في مقارنته بصوت ام كلثوم (في الاصوات النسائية) حيث وقف منافسا له!مدرسة اسمهان الغنائيةالغناء الكلاسيكي في الحناجر النسائية قصة قاد
في ذكـــــــــــــــــــــــرى أســـمهـان
نشر في: 9 يناير, 2010: 03:41 م