عامر القيسي بالقدر الذي نرى فيه التربية الأساس الذي تقوم عليه البنية الاجتماعية والاقتصادية، فأنها في نكوصها تمثل تشويها لأي مستويات من دروب التقدم والانفتاح نحو آفاق المستقبل . الشيء الرئيسي في موضوع التربية والتعليم لدينا هي أننا نفتقد فلسفة تربوية تحدد لنا بكل وضوح ما ينبغي ان نقوم به وما لا ينبغي حتى نتجنب الاجتهادات الشخصية المبنية على خلفيات ثقافية وفكرية
تتعارض وتتقاطع مع الفلسفة التربوية المقرّة من قبل الدولة . والاجتهاد عادة ما يسوق أفكاره باعتبارها ضرورات لا يمكن التخلص منها او تجنبها ! ويضعها بديلا عن البحث في الحلول الجذرية للمشكلات التربوية التي يمكن ان تحدث هنا وهناك في هذه الجغرافية او تلك، لان أسهل الحلول هي التخلص من المشكلة ووجع الرأس عبر رميها في ساحة أخرى لتظهر لنا فيما بعد مشكلات اجتماعية من نمط جديد . الذي يعتقد بأن الضرورات قد قادته الى حلول فصل الإناث عن الذكور في المرحلة الابتدائية ، يعبر حقيقة عن ضيق أفق في التفكير المستقبلي للنتائج التي ستفرز عن مثل هذا الأجراء، ويعبر أيضاً عن جهل باتجاهات العراق الديمقراطي المتنور الذي تشكل نسبة النساء فيه أكثر من 50% ويشكلن الآن العمود الفقري لاقتصاده بسبب ظروف البلاد الخاصة . وهذا الموضوع غير موجه لمسؤول محدد، انه موضوع موجه صراحة لنمط تفكير يلوي عنق المشكلة ليدخلها في عنق الضرورات الاجتماعية ان كانت حقيقية وان كان هو المخول بفهم وتمييز الضرورة من غيرها !طبعا لا يمكن معالجة مثل هذه الإشكالات من خلال مقال صحفي او تحقيق لان المشكلة أعمق بكثير واشد خطورة من الكثير من المشكلات الأخرى لارتباطها المباشر بنوعية الجيل الذي تريد له ان يبني لك العراق الجديد على أرضية الاجتهادات الشخصية وليس العمل الفلسفي المنهجي المنظم المدروس والعلمي الذي يستند الى معطيات بحوث ودراسات اقتصادية واجتماعية ونفسية وتربوية وأخرى للاستشعار المستقبلي عن النتائج المتمخضة عن هذا القرار أو غيره من القرارات التي تقوم على أساس وجهة نظر شخصية أو تحت طائل ضغوطات هي ابعد ما تكون عن ايجاد الحلول المنطقية الصحيحة للمشكلات التي تواجه المجتمع .لو سألنا صاحب القرار نفسه مجموعة من الأسئلة التي قد تساعده على فهم طبيعة قراره : كيف يستطيع ان يشارك نصف المجتمع في عملية النهوض والبناء إذا كنّا ندق له منذ الطفولة إسفين الشك والريبة والخوف من الآخر ؟ الى أي حد ومستوى يستطيع ان يضع «فصله» ساري المفعول في الحياة الاجتماعية ؟هل يعتقد بان مشكلة ما في كلية مختلطة ينبغي ان تحل بفصل الطالبات عن الطلبة ؟وماذا لو طبقنا هذا على مجلس النواب مثلا فنبني مجلسا آخر للنائبات ويجري الاتصال فيما بين النواب والنائبات عبر دائرة تلفزيونية مغلقة ؟ وهكذا نستطيع تعميم الافتراضات الاضطرارية أو الضرورية حتى أدق تفاصيل الحياة الاجتماعية العراقية لنكتشف دون كثير ذكاء وتمحيص أننا قد تحولنا إلى مجتمعين ، مجتمع للنساء وآخر للرجال !! ولنبحث فيما بعد عن حلول لمشكلات يفرزها كل مجتمع بأسلوبه الخاص !عمليات فصل النوع جارية في أكثر من منطقة ومحافظة دون ان تلتفت إليها لا السلطة التشريعية ولا التنفيذية لخطورة التراكمات المحتملة بل والقائمة على تطبيقات هذا النمط من التفكير الارادوي الذي يعتقد واهما أن الصحيح هو ما يقوم به وان الخطأ هو في الحاجات الاجتماعية المطلوبة للمجتمع العراقي.
التربية والمعاصرة
نشر في: 9 يناير, 2010: 04:03 م