علي حسن الفوازماقاله الكاتب العربي نزيه ابو عفش قبل ايام حول مستقبل الثقافة واشكالاتها وصراعاتها ودور المؤسسات الرسمية الثقافية العربية في تعطيب واقع هذه الثقافة، والتعمد في (تربية)و(صناعة) الاتباع والمريدين الذين يتملقون لهذه الجهة او تلك، ليس كلاما عابرا من مثقف عربي اعتاد ان يكون قريبا من المؤسسة الثقافية العربية الرسمية وغير الرسمية،
وان يتعرف على الكثير من وقائعها واسرارها واسئلتها، اذ ان طروحاته في هذا السياق وحول ما يتعلق بازمة الثقافة وصراعاتها وازماتها، وطبيعة القوى التي تقف وراء انتاج العديد من تلك الازمات، تعني ان هناك ازمات اخرى ثاوية ومسكوت عنها، ازمات مرئية بقصدية واخرى غير معلنة وداخلة في حسابات الربح والخسارة كثيرا..ولعل من اكثر مؤسسات صناعة الازمة هو اتحاد الكتاب العرب الذي يعد مسؤولا والقول لعفش عن(تربية الأتباع وإطلاقهم في فضاء المحميّة المنذورة للمتملقين والمهللين وصغار الكسبة).قد يبدو حديث السيد نزيه ابو عفش حديثا عن ازمات داخلية في المؤسسات الثقافية، ومحض خلاف في وجهات النظر بين هذه الجهة او تلك، لكن موقف هذا الاتحاد من العديد من القضايا التي تخص شجونا وشؤونا وضعت هذه المؤسسة العتيقة امام تاريخ هو اشبه بالمتحف، تاريخ لم يسهم في صناعة ثقافة عميقة الاثر وكثيرة الاسئلة، اذ انها مؤسسة قريبة من الحكام اولا وقريبة من اصحاب رأس المال، ولااحسب انها مارست دورا قوميا بالمعنى المهني والاخلاقي يحسب لها سوى مايقع تحت طائلة الوصايا التي تصنعها المطابخ السياسية. ولعل الموقف من الادباء والكتاب العراقيين مثلا هو واحد من اشكال الازمة الاخلاقية والمهنية التي يعيشها هذا الاتحاد، وربما هو جزء من المسكوت عنه الذي اراد عفش ان يتحدث عنه ام لم يتحدث، لان هذه المشكلة اصبحت جزءا من ازمة هذه المؤسسة وسوء تدبرها وتعاطيها العميق والحقيقي مع الازمات الثقافية العربية، اذ ان الموقف من اللحظة الثقافية العراقية ليس مهنيا على الاطلاق، ولاشأن له بالابداع والمعرفة وحماية الامة من غلواء الاحتلالات والصفقات المشبوهة ونيات الاتفاقيات التي قد تحدث هنا وهناك ولحسابات سياسية، وبالتالي فان المجاهرة بها والكشف عن رؤوسها ستطيح بالكثير من(الثوابت)التي يقول عنها الاتحاد بانها اساسية في الثقافية القومية جدا..المسؤولية الثقافية القومية تقتضي الان مواجهة الاخطار والعقد بارادة حقيقية وليس بانفعالات ومراث واستعادات، لان هذه المواقف الطللية لن تؤسس شيئا ولن تعيد الموتى الى الحياة ولن تغير من اشتباكات الخارطة السياسية والثقافية، وربما فانها ستكون الاقرب الى منح ثقافات الاخر الامبريالية والاحتلالية فرصة لنعتنا بالكثير من نعوت الارهاب والعنصرية والتخلف والسذاجة وحتى الديكتاتورية الثافية، ناهيك عن اتاحة المجال للثقافات السرية لكي تتسلل الى جوانيات الجسد الثقافي العربي، وتغير الكثير من حساسياته، فضلا عن تمظهره في(تناشزات) بين رغبته في ان يكون حداثويا، متعاليا، انسانويا، وبين ان يمارس مواقف تذكرنا بالماضي التليد ونقاوة الدم الازرق وتحريم الاتصال بالاخر الاّ عبر مهيمنات الجزية والخضوع..ان ام المشكلات الثقافية العربية، هي (الازدواجيات) المرعبة وهذا التشظي بين الذات وخارجها، وعدم القدرة على رؤية ما يحوطنا من اخطار، تلك الاخطار التي تأتي من التفاصيل دائما، التفاصيل المهملة بامتياز من قبل مؤسساتنا الثقافية العربية والعديد من مثقفينا العرب الذين يجيدون فن الشتائم والتنابز بحرفنة غريبة وتسقيط الاخرين وهم عالقون باهداب هذا الانحدار الذي جعلهم يعيدون انتاج خطاب الهزيمة دائما.. فكيف هو المنظور الذي ينبغي التصريح به؟ وكيف هي طرق الحرير المثلى، او خرائط الطرق كما يقول السياسيون لانقاذ ما يمكن انقاذه؟اليست هذه الاسئلة هي الاجدى في مواجهة تداعياتها، بدل هذه المهاترات التي اضاعت كل شيء، وتركت لنا خرابات تكبر كل يوم، ومهرجين يصفقون للحروب والهزائم بغرابة، هؤلاء المهرجون هم اكثر سلع الثقافة العربية رواجا الان، مهرجون يبكون على حال العراق وفلسطين والسودان والصومال، ونسوا ان هذه الكوارث في جانب منها صناعة ثقافية عربية خالصة، لان هذه المؤسسات ساهمت في تنمية الاستبداد والتطريب له، بل والعمل على صناعة المثقفين الطربيين! والمثقفين الطبالين، والاكتفاء بكتابة الاحتجاج والاستنكار بدل الانصراف الى المعالجات العميقة التي تتعاطى مع الاسباب التي انتجت كوارث الاحتلال والاستبداد والارهاب.. اليس الارهاب جزءا من الاستبداد؟ ماهو موقف المؤسسة الثقافية من الارهاب؟ هل اصدرت في يوم ما بياناً قالت فيه سحقا للارهاب والارهابيين؟ وهل قالت بضرورة معالجة ازمات الشارع العربي الثقافي في ضوء معالجة المشكلات والاشكالات العميقة التي انتجته؟
ثقافتنا العربية الرسمية وازمة مؤسساتها!
نشر في: 9 يناير, 2010: 04:51 م