علي حسن الفوازالسياسة والثقافة مفهومان وإجراءان كثيرا ما يثيران الاسئلة الساخنة دائما، مثلما يثيران الريبة والالتباس عند اية محاولة للتعاطي مع ملفاتهما السرية والظاهرة، لان هذين المفهومين ارتبطا بانتاج ظواهر صراعية معقدة وعنيفة، مثلما انتجا اشكالات مفهومية انعكست على ظواهر صناعة ازمة الانسان امام السلطة والهيمنة والقوة
مثلما انعكست ظواهر هذه الازمة على مفاهيم الهوية والحرية والتعدد. اذ ان تاريخ السياسة العربية هو تاريخ السلطة، وان تاريخ السلطة هو تاريخ المهيمنات، وهذا التاريخ ظل منتجا لازمات وصراعات اسهمت في توليد ثقافة العنف ورمزيته، فضلا عن دوغما ئيتها الدائمة في انسنة هذا العنف، لان العنف السلطوي هو عنف يقترن بالدفاع عن مركز موهوم، مركز السلطة، مركز التابو، مركز المقدس، وهذا بطبيعة الحال اسهم في تشكيل ملامح الشخصية العنفية، تلك الشخصية التي وجدت في البيئة الصراعية العربية مجالا واسعا لتشكلها، مثلما وجدت في البيئة الثقافية الصراعية فضاء لصيرورتها كأديولوجيا كثيرا ما تقترن بنصوص وافكار وتأويلات، ولعل طابع العنف الذي اتسمت بها الكثير من الشخصيات التي اقترنت بفرق معينة واتجاهات ارتبطت بما سمي في الأدبيات الإعلامية بـ (الإسلام السياسي) دليل على أن البيئة العربية،أي بيئة السلطة وازماتها وصراعاتها مع الثقافات السرية تعدّ من اكثر الحواضن استعدادا وتهييجا لصناعة العنف، وأحسب ان الحديث المتواتر عن الشخصية العراقية واتهامها بالعنف والانفعالية والمزاجية والقسوة والمازوخية احيانا اخر، يرتبط بتقديري بالكثير من سوء قراءة إشكالات التراكم الصراعي الظاهر والمستتر بين السلطة وما تمثله من ايديولوجيا فكرية وسلالية ونصوصية ازاء ثقافات عميقة في البنية الاجتماعية والدينية والسياسية العراقية، اذ تحولت هذه العلاقة الصراعية الى علاقة طاردة تمارسها السلطة لكل متون وهوامش الثقافات الاخرى وصولا الى تصعيد هذه العلاقة الى نوع من المحو والموت لكل المريدين الذين ينتمون الى الاشكال الثقافوية لهذه الاتجاهات.إن العودة إلى قراءة تاريخ العلاقة الاشكالية المأزومة بين السلطة والمثقف يعطينا تصورا بأن هذه العلاقة لم تصطنع لها سياقات وأدواراً محددة ومعروفة ومحكومة، فهي علاقة هيمنة افتراضية تقوم على مجموعة من التعقيدات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية التي تبرر أشكال الحاكمية والرعوية، تلك التي ترتبط بقصدية نظام الحماية، ونظام القوة، وهذه الثنائية صنعت لها بالمقابل شكلا من أشكال (الرأسمال) الاخلاقي والمعنوي الذي تراكم بفعل طبيعة الصراع الدائم وشروطه التي تحكم النظام الاجتماعي في البيئة العربية، والتي جعلت كل الأشكال الاجتماعية بما فيها الشكل الثقافي والشكل الديني/الطقوسي والشكل الاقتصادي/التجاري تابعا لنظام الحكم المركزي الذي لايؤمن بالتعددية والحريات والطقوس خارج محيطه النفسي وتوصيفه البيئي.. ومن هنا نجد ان تاريخ السلطة العربية الذي اقترن بهذا النظام الاجتماعي الثقافي والاقتصادي، انتج نظاما آخر للعنف، ارتبط به تاريخ المثقف بمرجعياته كصعلوك وباطني ونقدي وعضوي، اذ ان هذا التاريخ الطويل من المطرودية والاقصاء والموت لايحمل معه أي شكل من اشكال التأسيس الاخلاقي لشخصية المثقف، لان هذا المثقف كان غير واضح الملامح، لايملك تراكما ثقافيا عميقا، وحتى الحديث عن شكل من اشكال الثقافات الباطنية التي تجوهرت حول ازمات صراعية معينة داخل تاريخنا العربي الاسلامي، لم تستطع هي الأخرى ان تؤسس عمقا لهذا التراكم، لانها ازمات ارتبطت بالسياسة والايديولوجيا وربما بفكرة السلطة وادوارها. ان هذه الازمات والصراعات اسهمت ومنذ اكثر من ألفي سنة في انتاج ازمات متوالية للمثقف،وهنا نقصد الشاعر والحكيم والمفسّر والراوي، مثلما اسهمت في تشكيل ازمات توصيفية للسلطة ذاتها، اذ ان هذه السلطة هي المسؤولة عن صناعة ظواهر القمع والاقصاء والسجن والمنفى السياسي وامتلاك رأس المال ورأس الحاكمية، وفرض شكل النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة وعلاقات الافراد داخل هذه الدولة، والمثقف ظل بالمقابل هو الصانع الاثير للخطاب السري والتدوين السري، حامل الشفرات والتأويل والغموض ..إن تحديد ملامح حقيقية لازمة السلطة والمثقف برزت بتقديري في العصور التي نشأت بها الدول المعاصرة، اذ ان هذه السلطة توسعت واصبح لها نظام معقد في الإدارة والحكم والايديولوجيا والسيطرة والاقتصاد والامن وتراكم الخبرات، مثلما تفككت فيها عقد النظام السلالي والمقدس والتابو واصبحت لها (صناعات) اكثر شراسة وقمعا لادارة السلطة ذاتها.كما ان توصيف المثقف حمل هو الآخر دلالة اكثر حضورا واكثر تعبيرا عن خصوصية هذا التوصيف، مثلما بدت استقلالية المثقف خارج(سستم) النظام الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي والقرابي واضحة، اذ ان هذا المثقف تأدلج وتمرد على المركزية التي كانت تمثلها السلطة القديمة، وتشخصن في وعيه ومواقفه واصبحت لها اطر ومرجعيات ايديولوجية بدأت تشكل خطرا حقيقيا على نظام السلطة، وأحسب ان هذه المعطيات في صناعة ظاهرة المثقف هي التي دفعت السلطة الى زيادة جرعات العنف ضد المناوئين لشرطها الوجودي ومنهم (المثقف) إيهاما بالدفاع عن نوعها ومركزها من
السياسي والثقافي واحدية السلطة.. ثنائية التوصيف
نشر في: 10 يناير, 2010: 03:59 م