TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام ابيض : الوعي بالمخاطر

كلام ابيض : الوعي بالمخاطر

نشر في: 10 يناير, 2010: 06:28 م

علي القيسي "القناعة كنز لا يفنى" حكمة رائعة تنبض بحيوية قادرة على تخفيف شراهة البعض ممن يظهر عدم الرضا عن حطام الدنيا.وفمه مثل جهنم لاترضى إلا بالمزيد. هذه الحكمة وما يشابهها الكثير كانت تزيّن جدران المحال التجارية والمقاهي والاماكن العامة بخط جميل وطبعات انيقة.
 يحرص كثر من الناس على اشاعتها لاسباب شتى، كجزء من الموروث الشعبي، وللتذكير بفحواها. هذه الحكمة الجميلة قدحت في خاطري امس، وانا في سيارة (الكيا) التي انطلقت بنا من مرأب بغداد الجديدة الى الباب الشرقي، ومع انطلاقتها صاح السائق الاجرة "750"دينارا، لتعلو اصوات الركاب معترضين على رفع الاجرة من دون مبرر لها سوى الجشع المقرف، وكالعادة رد السائق اسباب ذلك الى الازدحامات التي تمنع عنه وزملائه العمل، مضيفا تبريرا اخر أسكت الجميع، وفي الصمت السلامة احيانا، وبعد ان كشر السائق عن عدوانيته، معلنا انه دفع "المقسوم" لمفرزة هيئة النقل قبل ان يدشن يومه بالعمل!! الواقعة اعلاه تتكرر هنا اوهناك يوميا، بسبب جشع السواق غير المسوغ، وان اقتضى ذلك مخالفة القانون او ايذاء الناس، وبسبب فساد صغار الموظفين،الوالغين من اخمص قدميهم حتى قمة رأسهم بالرشا، التي عبر عنها السائق بـ"المقسوم". والتي كانت السبب الرئيس وراء رفع الاجرة على الناس. تقترب الصورة التي اوضحنا خطوطها العريضة من الحالة العامة التي نعيشها، ويظلل الفساد جزءها الاكبر، ونحن نكتوي بنيرانها يوميا وهي لا شك حلقة في سلسلة متواصلة تبدأ من الطبقات الدنيا لتصعد بروية الى الاعالي من الدرجات الوظيفية. هذه الحالة وامثالها تفرض على الجهات المعنية تحصين صغار الموظفين ضد الرشوة بأدوات فاعلة، وجادة، وقابلة للحد من الظاهرة على اتساعها. اذ الرشوة مهما صغر شأنها تعود على ذات المرتشي بالضرر البالغ، باعتباره جزءا من المجتمع الذي يحترق بنيران الفساد المستعرة، اذن هو ليس بمنأى عن لهيبها، وما الزيادة التي فرضها سائق الكيا على الناس بحجة دفعه الرشوة لمفارز هيئة النقل إلا جزء من صورة اكبر ستحيل المرتشي الى ضحية لا محالة. لذا اشاعة الوعي بمخاطر الرشا، يتطلب من الجهات المسؤولة ان تتمتع بمهارة عالية في فن مخاطبة الناس وسبل التأثير فيهم، فضلا عن البحث عن طرق فعالة عند تسويق الخطاب المعبر عن مخاطر واضرار الفساد على الفرد والمجتمع ومستقبل الاجيال المقبلة في العراق الجديد. وان اقامة مجتمع سليم خال من الفساد لا يتأتى بالقوة وحسب، وانما بإشاعة الوعي العميق بين الافراد والجماعات ايضا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram