عبدالله السكوتي يحكى أن (حميده) أتت بإناءٍ تحمل فيه خبزاً مقطّعاً ودفعت به الى (الباججي) وأعطته فلسين ، طالبةً منه أن يضع اللحم مع المرق على الخبز (المثرود) لم يكسر الرجل بخاطر حميده ونادى على عامله بأعلى صوته: (شرِّب لِحميْده بفلسين) ، ففهم العامل ما أراد الباججي فسكب قليلاً من المرق فوق إنائها دون أن يضع شيئاً من اللحم.
كثير من المؤسسات الحكومية وحتى بعض المؤسسات الأهلية تتبع قاعدة (شرِّب لِحميْده بفلسين) ظنا منها أن هذا العمل غير المجدي سيمحوه الزمن ويعفو عليه الدهر ويُترك الأمر بلا حساب وربّما يتأخر الحساب لكنه أكيداً سيأتي خصوصاً للذين يظنون إنهم يستغفلون الآخرين ببطالتهم غير المقنّعة فهي بطالة سافرة معروفة وواضحة مهما حاول الآخرون التغطية على كسل غيرهم وعدم إخلاصهم بالعمل تحكمهم بذلك العلاقات الشخصية وربّما الرشوة وان كانت بسيطة.كنت اعرف أحد الذين (يشرِّبون لِحميْده بفلسين) وكان هذا المثل أثيرا لديه يقدسه ويجعله قاعدة لعمله ، وحين اكلمه عن الإخلاص والتسامي ينعتني بأنني لم افهم المعادلة حتى الآن وإنني ساذج مسكين لكنه في النهاية أصبح خارج (مدى) اللعبة وخسر عمله بلا ندم لكنه للأسف يشغل منصباً حساساً في إحدى الوزارات المهمة.وكثير غيره ما زالوا يتبعون هذه القاعدة ويختفون عن العيون بطاقيّة الشاطر حسن تساعدهم على ذلك حوريات البحر ، لقد ابتهجت حين رأيت افتتاح أعلى برج في العالم ، حيث بلغ برج دبي مئتي طابق يحتوي خلالها على أسواق متنوعة وشقق سكنية وغيرها من الكثير الكثير ، لكنني حزنت حين نظرت بعيداً وقريبا في بغداد لأرى بنايات سبعينية لم تتطور ولم يُبنَ غيرها وعلمت حينها إن قاعدة (شرِّب لِحميْده بفلسين) هي المسؤولة عن التخلف العمراني في بغداد والمحافظات وهي المسؤولة عن الخروقات الامنية التي تحدث هنا وهناك وهي المسؤولة عن التدني في المستوى العلمي في المدارس والجامعات وهي السبب الرئيس في الفساد الإداري والمالي الذي يجتاح البلاد.يالها من قاعدة جعلت العراق بلداً في آخر القافلة يساعدها في ذلك ضعاف النفوس وجيل الكسل والدعة يقدّسون نوم القيلولة ويذهبون الى العمل متهالكين كي (يشرِّبوا لِحميْده بفلسين) – قاعدتهم الأثيرة لديهم – فحين ترى (المعلّم) واقفاً والطلاب بين هرج ومرج فاعلم انه يتبع هذه القاعدة الشاذة وحين التقيت صديقي المبدع المثقف والكاتب مع صديق له يذرع الشارع جيئةً وذهاباً ساعة للهاتف النقال وأخرى للزوار يلوك الكلمات معهم ويعطل العمل علمت انه يعمل حسب القاعدة ذاتها وقد أثّرت به كثيراً ، أنا اعلم ان الوقت لا يكفي صديقي لانجاز عمله المليء بالابداع لكنه بقاعدة حميدة استطاع ان ينجزه ليظهر مشابهاً لسابقه خاليا من أي ابداع .كثيرون في مجتمعنا من انصار قاعدة حميدة وانا خائف ان هذه القاعدة ستوضع في يوم ما على ابواب الدوائر الرسمية والاهلية مخطوطة بخط كبير على يافطة واضحة تقول (شرِّب لِحميْده بفلسين) ورحم الله من قال :متى تصل العطاش الى ارتواءٍ اذا استقت البحار من الركاياومنْ يثني الأصاغرَ عن مرادٍ وقد جلس الأكابر في الزواياوانَّ ترفّع الوضعاء يوماً على الرفعاء من احدى البلايا اذا استوت الأسافل والأعالي فــقــد طــابــت منـادمـة المــنــايـا
هواء في شبك: (شرِّب لِحميْده بفلسين)
نشر في: 10 يناير, 2010: 06:56 م