صفية المغيري يلتفون حولك حالما تضع أقدامك على أعتاب أسواق الخضار في أية منطقة من مناطق بغداد. يدسون أكياس البلاستك عنوة بين يديك ويدفعون بعرباتهم نحوك دون أبطاء فعلى هذا يعيشون , ومن هنا تأتي قوتهم بعد جهد يومهم الطويل وبرغم الخوف الذي يمنعك من أن تبادر بالسؤال عن عالمهم ثمة فرصة لان تعرف خفايا المدينة من أحاديثهم التي لاتخلو من المفاجأة والغرابة في أحيان كثيرة .
(وسام ضياء الدين) بائع أكياس البلاستك الذي يستقبل كل القادمين إلى السوق بكلماته التي لأتغيب عنه (علاكه عمي) (خالة خوش علاكه) وهذا يعني باللهجة العراقية وهو(كيس بلاستك) قال والابتسامة لاتفارق شفتيه انه قد أتم السابعة من عمره وانه يذهب في الصباح إلى المدرسة وأضاف انه (شاطر) أنهى الصف الأول الابتدائي بنجاح وهو ألان في الصف الثاني أبوه وأمه غير متعلمين وحين سألناه: هل يريد أن يكمل دراسته يوما ما رفع كتفيه وأدار عينيه في محجريهما قائلاً: أكمل ولم لا.بعد لحظات أقترب صبي أخر يدفع عربته التي صنعها من عدة صناديق بلاستك مرتبة فوق بعضها مثبتة على قاعدة خشبية ربط بها إطارات معدنية تصدر ضجيجا عاليا يعلو مع ضجة السوق واخذ يتساءل عما نريد من الصبي فتبين أن الصبية هنا قد عقدوا فيما بينهم اتفاقية للدفاع المشترك فهم يجتمعون بينهم ليدافعوا عن بعضهم أذا ما حاول شخص ما إيذاء احدهم.. عالم الأطفال في أسواق بغداد ليس بسيطا فهو عالم يسيطر عليه الكبار واغلب الأطفال يكونوا عادة بصحبة إبائهم وأمهاتهم وأخواتهم الكبار فهم يجلبون أطفالهم الصغار لبيعواالاكياس البلاستيكية بينما يعمل الأكبر منهم سنا في حمل أغراض المتبضعين بعرباتهم ويتفرغ الأهل لبيع الخضار. مضى وقت طويل قبل أن يتجمهر الصبية حولنا بعد أن زالت مخاوفهم منا يتسابقون للحديث عن تفاصيل حياتهم في سوق الخضار، فقد روى لنا (احمد) ذو الأعوام التسعة قصة الرجل الغريب الذي استأجر عربة زميله (كرار) بعد أن وضع فيها مجموعة من الأكياس السوداء وتقدم أمامه ليغيب في زحمة المتسوقين ويترك (كرار) يدور في السوق بحثا عنه وماهي ألا لحظات حتى تفجرت الأكياس السوداء وتلاشى جسد (كرار) في عصف الانفجار الذي حوله إلى قطع صغيرة ملقاة على الأرض.ويكمل القصة صبي آخر (بعد الانفجار طوقوا السوق بحواجز كونكريتية من كل الجهات وفتحوا فيها أبوابا لايدخل منها احد ألا بعد تفتيشه خشية أن يأتي غريب أخر ويفجرنا). (أم سيف) بائعة خضار في عقدها الرابع يعمل ابنها في بيع الأكياس البلاستيكية قالت: (أن السوق امن بالنسبة للأطفال هنا لان كل واحد يعرف الأخر واغلب الأطفال هم من أبنائنا وليسوا غريبين عن بعضهم، ونحن نحرص عليهم ولا نتركهم يغيبون كثيرا عن بسطياتنا) وتكمل حديثها :(نعمل في مهن شريفة ولا نسرق أو نشحذ كما أننا نوفر لأبنائنا تعليما على مستوى قدرتنا المادية فابني الكبير أنهى معهد الإدارة في العام الماضي وهو ألان صاحب بسطة في الجهة الأخرى من السوق، المشكلة أنهم لو أكملوا تعليمهم سيعودون إلى السوق في النهاية) وذلك من قلة فرص العمل في الدوائر الحكومية.أما (أبو وسام) صاحب بسطة للفواكه والخضر يقول: أنهيت دراستي في معهد الإدارة واعمل في إحدى الدوائر الحكومية في الصباح وبعد الدوام اشرف على هذه البسيطة للفواكه والخضر مع ابني واكسب منها رزقا).. أحاديث بعض الصبية عن الدراسة تشير بأنهم فقدوا التفكير بها تماما.فالطفل (سيف) قال: انه غبي لم يكمل المدرسة بعد تكرار رسوبه أخذه والده للعمل معه على بسطيه الفواكه والخضر التي يتعاشوا منها.في السوق صبية آخرون قالوا أنهم لايذهبون للمدارس لان أوضاعهم المادية صعبة وهي التي دفعتهم للعمل في السوق.. احدهم قال: إن وفاة والده هي السبب في خروجه مع أمه للعمل وأضاف بلهجة الكبار (العيشة تنراد) وتابع (لقد توفي أبي بشكل مفاجئ بالسكتة القلبية قبل عامين لا أنا ولا أمي منا نجيد العمل في السوق لقد كانت وفاته صدمة لنا ،كنا نعتمد عليه) وبعد أن تنهد بعمق أكمل (لقد كنا في أيام خير مع أبي وفي أتم الحال متى استيقظنا ووجدناه قد فارق الحياة لم يكن يشكوا من شيء على الإطلاق فقد كان يأخذنا إلى (منطقة الكاظمية) ويشتري لنا الثياب لكن ألان أصبحنا نذهب لنشتري ملابس مستعملة لنرتديها لدي في البيت سبع شقيقات.الحياة أصبحت صعبة يوما بعد أخر أمي تبيع الخضروات وإنا أدور حول بسطيتها أبيع الأكياس وعندما سألته عن المدرسة قال لي وباستخفاف: (يا مدرسة خالة؟)احد الباعة علق قائلاً: (أننا نتعجب من تزايد أعداد الأطفال اللذين يبيعون الأكياس هنا فلم يكن عددهم بهذه الضخامة من قبل) وأضاف: (أن اغلب هؤلاء الأطفال يقضون أكثر وقتهم في البيع) وعزا سبب سماح الأهل بالتسرب من المدارس إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والقفزة في أسعار المواد الغذائية وكثرة العمليات الإرهابية التي جعلت العديد من العوائل بلا معيل.(سامر) ذو الاثنى عشر ربيعا رفض البوح بما يحتمل في صدره من الم وفي عينيه اعتداء الفقراء تطوع طفل اخر ليسرد لنا حكاية فقال كان ابنا لرجل يعمل في البناء سقط من فوق (السكلة) فانكسر ظهره ويجلس الان كسيحا في البيت وتضطر أمه للعمل ببيع الخضار في السوق لتؤمن لهم العيش وذات صبح انفجرت عبوة وسط السوق كانت (أم سامر) إحدى ضحاياه.ليجمع الصغار في
فـي أسواقنا الشعبية... اطفال مكافحون
نشر في: 12 يناير, 2010: 05:42 م