الكتاب: "فينيسيا، مدينة نقية" تأليف: بيتر أكرويدترجمة: ابتسام عبد اللههل تحتاج مدينة "البندقية" الى كتاب آخر فهناك ان بحثنا أكثر من 50000 عنوان عنها. وخلال السنوات القليلة الماضية وحدها، اصدر كتاب كبار مؤلفات عنها ومنهم جون بيريدت، جون جوليوس نورويج، فرانسيسكو دا موستو وتيزيانوا سكاربا.
وقد اكتمل عقد الكتاب اخيرا بانضمام بيتر أكرويد اليهم في مؤلفه الاخير عن تاريخ المدينة يحمل عنوان: "فينيسيا، المدينة النقية". وكما في مؤلفه السابق عن "لندن"، لا نجد في كتابه هذا اتجاها واضحا للسرد فيه، ويضم 37 فصلا قصيرا (عناوينها: مرايا، احجار واسرار وغيرها) مرتبة حسب 11 موضوعا. ان اسلوب بيتر أكرويد عذب وكلماته قوية التأثير، تكاد تنسي القارئ من انه قرأها من قبل عشرات المرات..ومدينة البندقية (فينيسيا) كما يقول أكرويد هي قصة مدينة أنشئت على الاهوار الطينية من قبل القوطيين الغازين من اجل النهب والسلب وتشكلت مدينة اشبه بالحلم من اندماج واتصال 117 جزيرة ببعضها البعض وبصورة تدريجية. وقوة هذه المدينة تعود باستمرار وعلى مر العصور كونها "مفصلا لاوروبا". فقد كانت على الطرف المستدق للكاثوليك غربا والارذدوكس شرقا، على حدود الفرنجة والبيزنطيين، على حافة اليابسة والبحر وكانت المدينة الوحيدة التي لا ينشأ فيها نظام الاقطاع – لعدم وجود اراض كافية لاي اقطاعي كبير. كما انها لم تصبح مدينة زراعية مطلقا كما انها خلافا للمدن الايطالية الاخرى لم يكن لها تاريخ بعد انتهاء الامبراطورية الرومانية. وقد عبر أكرويد عن ذلك بقوله، "ان الناس الذين لا جذور لهم انجذبوا الى المدينة التي لا جذور لها".وبسبب الاحساس بكونها الادنى، اخترعت المدينة اساطيرها وطقوسها وكدست آثارها، وخرافاتها وشرعيتها وهي بعد سرقتها عظام القديس مرقص (من الحواريين) من الإسكندرية في عام 828، بدأت ترى نفسها منافسة لمدينة روما، التي كانت في تلك المرحلة تتضاءل اهميتها. وان فينيسيا قد اصبحت مباركة وعدم الولاء تجاهها يعتبر سلوكا ينم عن عدم احترام المقدسات. وقد ادت تلك الافكار الى نشوء مجتمع محافظ بشكل غير اعتيادي مأسور بماضيه وتاريخه. وهناك ما يزيد على 160 كليو مترا من الوثائق الارشيفية و 1000 مقطع من نصوص تعود الى القرن الرابع عشر عن المدينة. وقد سجلت المدينة ارقاما قياسية في امور كثيرة بالنسبة للتقاليد ومعدل الاعمار، (معدل سن القاضي الاول لجمهورية البندقية كان 72 عاما). وقد كانت البندقية مدينة الجواسيس والمراقبين.وقد اشتهرت مدينة البندقية في العصور الوسطى بتجارها الذين كانوا يجوبون العالم، ويحيلون مدينتهم الى مركز لجميع انواع البضائع الممتازة: "الحلوى والحرير والشمع والصابون والبهارات والاقمشة الدمشقية والسجائر والكافيار والعاج. وتحولت البندقية الى مدينة اشبه بسوق شرقية وكانت الرائدة في استخدام المرايا والقهوة والزجاج والشوكة. كل شيء يشترى ويباع: عبيد، جنس وحتى جزر بأكملها ومنها على سبيل المثال جزيرة كريت.وقد يكون اشتهار المدينة بنزعتها المحافظة هو الذي جعل منها مركزا لاقامة المهرجانات والمواكب والتي كان بعضها يتواصل اشهرا. وفي البندقية افتتحت اول دار عامة للاوبرا في عام 1637. ويعود ذلك الى حب سكان المدينة للتمثيل والغناء، اذ ان اول مسرح للتمثيل والغناء كان قد افتتح فيها في عام 1565.ومن المعروف ان البندقية كانت على الدوام مكانا للتناقضات. وكما ذكرنا من قبل عن مجتمعها المحافظ، فان ذلك لم يمنع كونها محطا للامور غير التقليدية التي رفضت من قبل مجتمعات اخرى بسبب المعتقدات الدينية او الاخلاقية. كانت المدينة غريبة وصارمة متزمتة، وكانت ايضا مكانا لانتهاك القواعد والسلوك وهي على الرغم من كونها معزولة قدمت للعالم عددا من الرحالة المعروفين ومنهم ماركوبولو وجون كابوت.وقد يعزى كون البندقية اشبه بالأحجية سببا في كثرة الكتب التي تكتب عنها. وقد كتب ريكله: "عبر المرايا لا يقبض المرء أي شيء ولكنه يجد نفسه مدفوعا الى اسرار محيرة والمرء يغوص في الصور طوال النهار ولا يقدر على تجسيد واحدة منها". انها مدينة سريالية مضيئة تجتذب اليها الكتاب لغرابتها، اما بيتر أكرويد فيقول، "انها مدينة حقيقية وأناسها حقيقيون ولكننا نتواصل وكانها غير حقيقية".ومع ان اسلوب أكرويد يمتاز بالتدفق والحيوية فهو كما يبدو امضى وقتا اطول مع كتاب سيرة المدينة عن تمضية الوقت في قنواتها أي ان الكتاب لا يعبر كثيرا عن تجربة شخصية الا في حالة واحدة عندما ينهي صفحاته بعبارة لا تصدر الا عن سائح تأثر بعمق مما رأى وتنهد قائلا: "أوه! فينيسيا".عن الصنداي تايمز
البندقية مدينة التناقضات
نشر في: 12 يناير, 2010: 06:08 م