فليحة حسن هذه النغمة/ المعادلة جزء من نغمة أكبر صدى يسري بعنف أحيانا وبهدوء أحيانا أخرى في والوسط العراقي السياسي قبل الثقافي، فإن بعض الجهات السياسية طرحت مقولة عراق الخارج وعراق الداخل، في السياق إ شارة مؤكدة وصريحة
إلى أن هذا التقسيم مدعاة نظر في مقاييس التفاضل والمراتب في المواقع السياسية والوظيفية في جسم الدولة العراقية، وقد طرحت تنظيرات شبه أديولجية لمثل هذه المعادلة المربكة والمؤذية بصراحة لضمير الوطنية في الصميم . والغريب أن ينعكس هذا السياسي على الثقافي، فتنحر الثقافة العراقية على مذبح التقسيم المذكور، وكأن الثقافة بضاعة أو جسم مادي يمكن أن نشطره بالسكين إلى نصفين أو إلى أربعة أرباع، وهذا التقسيم يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية، لأن آلية التقسيم وهي تنتمي إلى الخارج والداخل، فإن الخارج كثير، والداخل أيضاً كثير،ترى هل سوف نشهد مصطلح (مثقفي العراق الخارج/ فرنسا) مثلا في مقابل مثقفي العراق في الخارج الموجودين في بريطانيا؟ فهي لعبة خاسرة إذن، لأنها استعملت معياراً سائبا، يمكن أن يشقق موضوعه الى شذر مذر، وفيه تجني موجع للثقافة كممارسة فكرية وروحية لا تخضع لمثل هذا التقسيم، فهل يراهن هذا التقسيم من إن موضوعا ثقافيا كان محل حصر على مستوى أدباء الخارج ؟ وإن هناك موضوعا ثقافيا كان محل حصر أبدي على مستوى أدباء الداخل؟ إن مثل هذا التقسيم اعتسافي بارد، يتجاهل أو لم يفهم مغزى الإنتاج الفكري والثقافي والروحي، وهل هو إلا عملية تتضاد مع الذات الكونية للمثقف؟ وهل هو إلا عملية تتضاد مع كون الفكر لا يعرف الحدود الجغرافية و المكانية؟ إن مثل هذه التقسيمات تخل برسالة الثقافة، وتستنجد بالمساطر الخشبية لتقيس معاني الجمال والخير والروح والإبداع، وهي عملية تشطيرية مرتبكة، وتدخل مفاهيم الفكر والإبداع في دهاليز سياسية واديولجية من شأنها قتل ا لعقل، وتبليد العاطفة. مثقفو الخارج العراقي ومثقفو الداخل العراقي يجمعهم أمران، العراق والثقافة، والداخل والخارج أمكنة تعيش خارج الروح، وليس داخل الروح، وليس من شك إن الإنسان العراقي مهما تغرّب يبقى سليل تلك البيئة والطين والهواء والماء الذي تربى عليه، وعاش به، ونما بفضله وكرمه، وحتى لو مرت عليه أجيال يبقى أسير اسمه وسمرته ولقبه، فالوطن وراثة جينية، تضرب بعروقها في أعماق الذات، تتسلل عبرها إ لى الذوات المتمخضة عنها. كذلك قال أرسطو.. إن السياسة تقتل الفكر إذا أقحمت أنفها المزكوم في جسد الحرف والكلمة واللوحة والثيمة والنص والنصب والكتاب والشعر، بل تفسد حتى الرياضيات التي هي أجمل مخلوق نظري في نظر الكثير من المفكرين والكتاب وعلماء العلم وتاريخه. بدل أدباء الداخل ا لعراقي والخارج ا لعراقي هناك مصطلح الأدب العراقي، الفكر العراقي، الإبداع العراقي، الإنتاج العراقي، والعراق هو الروح التي تسري في العمل كله، سواء جاء من عراقي يعيش في أهوار الجبايش الجميلة أو في جبال الألب الباردة. هي دعوة ديماغوغية، فرسانها الساسة، وميدانها التنافس على حطام الدنيا، وربما تساهم في تمزيق الاجتماع العراقي المقدس لدى كل عراقي نبيل.
مثقفو الداخل والخارج.. لعبة خاسرة
نشر في: 12 يناير, 2010: 07:40 م