*قال: أنا تعبت.. فالرحلة عسيرة طويلة ، والتاريخ مثل بقايا سد مأرب وغار حراء وليل بغداد العباسيين، تمتزج فيه الوسيلة بالغاية، ويعرس في صحراء الشياطين والملائكة وذوي الوسواس، ومع هذا ، قلت له: ما كانت الولادة إلا بالعسر فلنكتب لهم ولنا: قضية إنتصار العقل في هذا المدى، فهو حجتنا في دحض الهرطقة وما جاء به الدهاقنة..فتساءل وكان فرحاً كزهاد الطريقة:
 من اين نبدأ .. وكانت الرحلة مع خمسين سنة من نقد التاريخ والوراقين والنساخين رحلة لا تنتهي الا وتتجدد..فهو الفوز المبين! وهذا هو مايحدث في الوقت الحاضر. *دكتور.زهل ظهر تبدل في نهج الموسوعات الحديثة عما كانت عليه في القرن الثامن عشر..؟ -نعم، بعد أن تبدلت وتوسعت في آفاقها واختلف طابعها عما كانت عليها ايام الموسوعة التي تعاون على اخراجها: (ديدرو) وعدد من الفلاسفة والمؤرخين باللغة الفرنسية والتي تناولت تطور العلوم والفنون والاخلاقيات، وايام الموسوعة الالمانية التي ظهرت في المانية (1818 -1890) عن العلوم والفنون والتي خلفتها الموسوعة المعروفة باسم "بروكهوس" ومثل الموسوعة البريطانية "encyciop aedia britanica" والموسوعة الافرنسية المعروفة باسم "الموسوعة الكبيرة": "lyrande enciopidie" او معجم لاروس والموسوعة الايطالية.  *من ارواق الماضي: *قبل ثمانية اعوام قال لي الدكتور جواد علي: ليس في مقدور احد منع اصحاب العلم من العرب او من غيرهم من الاقدام على تدوين تاريخ عام عن العرب منذ فجر البشرية الى يومنا هذا او الكتابة عن حقبة خاصة، مثل تدوين كتاب في سيرة الرسول باسلوب علمي حديث يكون في مقابل ما كتبه "كيتاني" او غيره من المستشرقين عن السيرة، فنحن لانملك في الواقع كتاباً علمياً دقيقاً عن السيرة او كتاباً عن الخلفاء الراشدين. *ثم قال في موضع عن ميزة التأليف الفردي وكنت اسأله فيما بخص النهج العلمي والاكاديمي: ان العمل سيكون في هذه الحالة وحدة منسقة ، ترتبط فصوله بعضها ببعض وقد وضع في صيغة موجزة تظهر عليها صفة شخصية صاحبها وما عنده من رأي ، وبذلك تكون هذه الدراسة قريبة من مدارك الجمهور ومن مذهب القارئ.. وكان الدكتور يخلص من كل ذلك: ان الواقع العلمي يحدثنا ان التقدم الذي وقع في التاريخ هو تقدم جاء نتيجة جهد مؤرخ فرد موهوب متمرس في فنه اكثر من نتيجة عمل لجان من المؤرخين..  rnنظرة.. على اخطاء المؤرخين العرب القدامى  *دكتور ..في السابق التاريخي، كيف نحلل اخطاء المؤرخين العرب القدامى بنظرة موضوعية ..؟ يقول الدكتور جواد علي: -نسبة الاخطاء الفكرية والعلمية الى المؤرخين العرب، عمل جائر، وقو ل فيه اجحاف ، فالمؤرخ هو مثل غيره من الناس بما فيهم العلماء متأثرون بمحيطهم وبيئتهم، ولكل زمان ومكان ظروف وعقلية، فلا يجوز لأناس مثلنا ان ترمي المتقدمين علينا بالوقوع في الخطأ.. rn*سبب هذه الظاهرة..-لأن زماننا يختلف عن زمانهم .. وفلسفتنا تختلف عن فلسفتهم ونظرة الماضين عن الدنيا والحياة تختلف عن نظرتنا اليهما.. كما ان نظرة من سيأتي بعدنا عنا ستختلف عن نظرتنا ، وسيرموننا بنفس ما نرمي به المتقدمين علينا من نعوت وأوصاف..  rn*كيف نستدل دكتور..فيما ظهر..؟ -انه ، اذا ما رأينا المؤرخين العرب يروون الاساطير والخرافات عن الامم الخالية والقرون البالية، وينسبون لهم العمر الطويل او ينصب تاريخهم على الخلفاء والملوك والسلاطين فعزوا كل الامور لهم ، ونسبوا عظائم الاحداث لرغبة رجل وأمره وقراره الذي اتخذه بحرية، وكأنه لا وجود لضغط او لظروف محيطة من سياسة العاديين الذين كونوا الجماهير العريضة فكان كثير من هؤلاء المؤرخين لايولونهم اهتماماً الا عندما يتعلق الامر بعلاقاتهم بالحكام ، وتدل التسميات التي يطلقونها عليهم على مدى الامتهان والازدراء الذي يكنونه لهم، مثل (الغوغاء) والاوباش ، و(السفلة) ، كما اعتبروا تحركات هؤلاء فتنة حتى لو كانت لدفع ظلم او رفع حيف وسموا زعماء باسم (الخبيث) و(المارق) .. rnأين نحن من تاريخ العالم وأي مشكلة تقف أمام المؤرخ .؟ *ما أسباب هذا التباين ولمن نرجعها دكتور..؟ -أولا، لأن مفاهيم التاريخ في ايامهم تختلف عن مفاهيم التاريخ عندنا في هذا العصر..اذ لم يعد خطأ عندهم.. وثانياً ، لم تكن الجماهير يومذاك تدير الدولة غنما كان يديرها الملوك والسلاطين والحكام ، ليس في البلاد العربية وحدها او في البلاد الاسلامية حسب وانما في كل دنيا ذلك الوقت. rnجدل النقد في حكم الوثائق *دكتور.. لنورد، نماذج من الانتقاد الذي عثرت عليه في كتب المؤرخين القدامى، التي  اصبحت في حكم الوثائق..؟ في ضوء نظرته للتاريخ الاسلامي، قال: -انتقد (ابن الاثير) الطبري في امور معقولة، ومن امور التاريخ، وقد عاش ابن الاثير بعد الطبري كما هو معلوم ، وانتقد (ابن خلدون) الذي عاش بعد ابن الاثير الطبري، وانتقد من جاء من بعد ابن خلدون، على بعض ارائه التي دونها في المقدمة، ولكنه لم يعمل بموجبها في تأريخه الذي وضعه بعد المقدمة، كما انه لم ينج من الخطأ الذي اعتبر ان الطبري قد وقع به. ونحن اذا استعرضنا قائمة المؤرخين منذ ايام المؤرخ (هيرودوتس) الذي انتقد من عاش قبله من المؤرخين لارائهم البعيدة عن العق