TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: الحلاقون وحديث السياسة

وقفة: الحلاقون وحديث السياسة

نشر في: 13 يناير, 2010: 07:27 م

سعد محمد رحيم لا أدري ما الذي يدفع الحلاقين، عندنا، إلى الكلام في السياسة والافتتان بأخبارها، ربما هو وضعنا السياسي والأمني والاجتماعي الشائك حيث يجعل، حتى الكاره للشأن السياسي، مضطراً لمتابعة تطورات السياسة وتداعياتها وآثارها. ويرتاد معظمنا صالون حلاقة،
 مرة واحدة في كل شهر، في الأقل، ليلتقي هناك مع آخرين ينتظرون دورهم لحلاقة لحاهم وشعور رؤوسهم، فتتاح له فرصة الاستماع والمشاركة في سجال موضوعة السياسة في الغالب. وأنا شخصياً أفضّل ـ مثل كثيرين على ما أعتقد ـ الحلاقة عند حلاّق بعينه. لكن تنقلاتي الكثيرة بين المدن جعلتني مرغماً على تغيير حلاقي الخاص مراراً. وبالمناسبة فإن ولوجك مرحلة الكهولة يجعل من الصعب عليك العثور على حلاق جديد طالما أن الصالونات تفضّل الاختصاص بحلاقة شعور الشباب المولعين بالقصّات الحديثة والتي تقلد قصّات نجوم الطرب والسينما والرياضة. وكان عليّ قبل شهرين البحث عن حلاق جديد في محيط المنطقة التي سكنتها مؤخراً. جلت على عدد من الصالونات وترددت في اختيار أي منها لأن الزبائن جميعا، وحتى الحلاقين كانوا من الشباب. وأخيراً وقعت عيني على اسم (صالون حلاقة جيكور) في شارع فرعي. كان الحلاق في الأربعينيات من عمره، يحلق لزبون واحد وليس هناك من ينتظر. وأحسست ساعتها بأنني محظوظ. لاسيما أن الصالون يحمل اسم جيكور (قرية الشاعر الكبير السيّاب، والذي تغنى بها طويلاً في قصائد خالدة). لم يتبادل معي حلاقي الجديد أطراف الكلام.. كان حذراً وكذلك كنت أنا، حتى جاء أحد أصدقائه فانغمسا في حديث عن أجهزة الستلايت وصحون الالتقاط، والأقمار والمحطات الفضائية. لكنه في المرة الثانية استقبلني ببشاشة وسألني أولاً عن رأيي في تغيير أرضية صالونه. وحالما جلست إلى كرسيه بادرني بالقول؛ أستاذ، لماذا تبالغ هذه القناة الفضائية (كانت قناة فضائية عراقية تبث نشرة الأخبار) في تقديم الأخبار وتعمل من الحبة قبة؟ قلت ولكنك، كما يبدو تتابع برامجها باستمرار. قال؛ صحيح لأنها لا تغفل أي خبر.. ثم وجدتني أنغمس معه في نقاش سياسي حول الإعلام والبرلمان والانتخابات والمستقبل. وكان حلاقي السابق يختلف عن حلاقي الجديد في طباعه، كما أظن. فقد كان زبائنه وزواره من معارفه، على الدوام، لذا تراه يعمد إلى طرح رأي استفزازي، في كل مرة، يعرف أنه بالضد من قناعة أحد الجالسين فينطلق بعده سجال حاد تتخلله التعليقات الطريفة والنكات المضحكة. وكان حلاقي (السابق) يستمتع بذلك أيما استمتاع. دخل اصطلاح (الحلاق الثرثار) قاموسنا الشعبي منذ قرأنا قصة شهيرة بهذا العنوان في مقررات الكتب المدرسية في الستينيات. والحق يقال أن ثرثرة الحلاقين ليست فارغة على الدوام. ومنهم من اكتسب خبرة في إدارة الحديث السياسي والاجتماعي بين زبائنه كما لو أنه مقدّم ندوة تلفزيونية ناجحة. وأعرف أشخاصاً يذهبون إلى صالونات الحلاقة لينخرطوا في جدالات سياسية حامية، أو ليحصلوا على آخر الأخبار. وإذن لماذا لا يستقي الصحفيون وكتّاب القصة والرواية بعض موضوعاتهم من أحاديث صالونات الحلاقة تلك؟. نسيت في خضم سجالي السياسي مع حلاقي الجديد أن أساله لماذا اختار اسم جيكور لصالونه.. سأسأله في المرة القادمة، علّ سجالنا، حينها، يكون في الأدب، فقد دوختنا السياسة وشجونها وتقلباتها بما يكفي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram