TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > صاحب الكعكة الحجرية

صاحب الكعكة الحجرية

نشر في: 15 يناير, 2010: 04:59 م

أ.د.عبد الرضا عليّ*ولد في 23 يونيو سنة 1940 م، في قرية "القلعة" التابعة لمحافظة (قنا) في صعيد مصر، وأنهى دراسته الثانوية في شعبة العلوم في ثانوية (قنا) سنة 1957، لكنّ معدل درجاته لم يتح له مواصلة الدراسة في الكليات العلميّة، فدخل كلية الآداب في جامعة عين شمس، لكنهُ تركها بعد ثلاثة أشهر, ثمّ دخل كليّة دار العلوم، فلم ينتظم فيها دارساً سوى يوم واحد.
عرف شاعراً منذ نعومةِ أظفاره، فكانت قصائده أثناء العدوان الثلاثي على مصر(1956م) تلهب حماس الجماهير، لاسيما زملاؤه في المدرسة، وقد حفظت له "مجلة ثانوية قنا" بعضاً من ذلك الشعر الحماسي. وفى عام 1962م نال جائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون للشعراء الشبان الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً، إذ كان عمره آنذاك اثنتين وعشرين عاماً. لم يكن منتمياً لحزب ، أو جماعة سياسية معينة و لكنه كان شاعراً ملتزماً(بالمعنى الإنساني العام للالتزام ) فرض عليه ضميره النقي أن يكون رافضاً لكل ما يمسُّ حرية الإنسان، لذلك كان يمتلك حرية مطلقة، جعله هذا الامتلاك يدفع ضرائب باهضة من المراقبة، والملاحقة، والتعتيم ، ومنع النشر، ففي سنة 1972م,وأثناء تظاهرات الطلاب في مصر كتب قصيدة اسماها بـ " الكعكة الحجرية" أوضح فيها موقفه من تلك التظاهرات علناً ، داعياً إلى حمل السلاح :المنازلُ أضرحةٌ،والزنازينأضرحةٌ، والمدى أضرحةْفارفعوا الأسلحةارفعوا الأسلحةفمنع عشر سنوات من التعامل مع الإذاعة والتلفزيون، وجميع أجهزة الأعلام، وتمّ إغلاق مجلّة "سنابل" التي نشرت القصيدة، وهى مجلة كان يشرف عليها الشاعر محمد عفيفي مطر في محافظة كفر الشيخ، وتم إيقاف الرقيب،وعزل الشاعر من الإتحاد الاشتراكي على الرغم من أنه لم يكن عضواً فيه كما جاء ذلك في حوار الشاعر مع اعتماد عبد العزيز. تعرفته سنة 1973م في القاهرة بوساطة صديق، وكنّا نلتقي بين حينٍ وآخر، لكنّ تلك اللقاءات كانت متباعدة زمنياً، وأشهد أنه كان موسوعيّاً في معرفته للرموز القديمة، وكثيراً ما كنّا ندخل عالم الأساطير، والخرافات، والحكايات معاً، فإنْ كان ذلك من صميم توجهي المعرفي لكوني كنت اكتب رسالة قريبة من ذلك العالم، فإنه كان من صميم ثقافته العامة، تلك الثقافة التي جعلتْهُ يوظف بعد سنوات مقتل كليب توظيفاً فنيا رائعا في " أقوال جديدة عن حرب البسوس" وينشر ذلك الأثر في مجلة "آفاق عربية" سنة 1981م علماً أَنّ أثره ذاك قد احتوى على قصيدتين:" الوصايا العشر، وأقوال اليمامة ومراثيها" دعاهُ مرّة الدكتور جابر عصفور سنة 1975م ليسهم في النشاط الثقافي لقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وأقيمت الصباحية في فصل دراسي صغير ازدحم بالحضور ، فقرأ مجموعةً من نصوصه الجديدة بصوتٍ أقرب إلى الهمس منهُ إلى الصراخ، وكنّا نجلسُ في آخر الفصل منصتين، لكنّ أحداً لم يستطع محاورة الشاعر في عوالمها سوى جابر عصفور مقدم الشاعر والصباحّية، ولا أدرى إن كان ذلك بسبب غموض تلك النصوص، أم ما كان فيها من رموز لم يشأْ أحد أن يشي بدلالاتها، أو يفسح للتأويل مجالاً يقود إلى المحذور في تلك الصباحية.لاحظتُ عليه أكثر من مّرة أنه يحمل نقوداً معدنيةً (قروشاً) قليلة في قبضته اليمنى، وعندما تتعرق ينقل النقود إلى اليسرى، فظننت أنه يستخدمها تلهيةً، أو لقتل قلق ما، كما نفعل نحن بالمسبحة التي نحملها، لكنني حين زرتهُ في منظمة التضامن الآفرو آسيوي حيث كان يعمل أيام كان سكرتيرها نوري عبد الرزاق حسين ووجدته على عادته مازحتهُ بضرورة استبدال المسبحة بالنقود إنْ كان لا بدَّ من التلهيّ لقتل الوقتِ، فأدهشني ردّهُ حين أعلمني أنّ بنطاله الذي يرتديه كان من غير (جيوب) وأنّ هذه القروش هي كل ما يملك. وتبين لي أنه كان يرتدي بنطالاً نسائياً دون أن يعرف ذلك.أصيب في أوائل سبتمبر سنة 1979 م بمرض فتّاك، لكنه ظلّ يصارعه دون هوادة وحين اشتدت عليه قسوة المرض وكثرت آلامه أُدخل " المعهد القومي للأورام" وظل يسكن فيه الغرفة رقم 8 قرابة عام ونصف ، بداءةً من فبراير 1982م ، إلى يوم رحيله في الحادي والعشرين من مايو 1983م، كتب في تلك الغرفة ديوانه الأخير الذي أسماه أصدقاؤه بـ " أوراق الغرفة 8" الذي كانت فيه قصيدة " الجنوبي" آخر نصوصه: أوَ كانَ الصبيُّ الصغير أنا؟أم تُرى كانَ غيري؟ أحدِّقُ..لكن تلكَ الملامح ذات العذوبةِْ لا تنتمي الآنَ ليصرتُ عني غريباً.كان صديقاً حميماً للدكتور عبد العزيز المقالح، لذلك أختار النقاد كلمة (المقالح) الموسومة بـ "أحاديث وذكريات" لتكون مقدمة لأعماله الشعرية الكاملة التي صدرت بعد رحيله، وقد ختمها بقوله: "أي شعور حزين يعترينا ونحن نودّع بالكلمات شاعراً عظيماً عاش مخلصاً للكلمات والوطن. وأي إحساس فاجع يداهمنا ونحن لا نكتب بالكلمات كلّ يوم سوى رثاءٍ حزينٍ لأروع أبناء هذا الوطن ولأ روعِ مافيه من صدقٍ ونقاء"إنه " أمل دُنقل" صديقي المتمرد شاعر الأسنّة الحادّة.* ناقد وأكاديمي يُقيم في كاردِف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram