TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > أمل دنقل في عيون شباب الفيس بوك

أمل دنقل في عيون شباب الفيس بوك

نشر في: 15 يناير, 2010: 05:04 م

أتري حين أفقأ عينيك ثم أثبت مكانهما حجرين هل تري؟ جاءت هذه الجملة على لسان عادل إمام في فيلم السفارة في العمارة في سياق استخفافي لينتزع بها الضحك من قلوب المشاهدين الذين ربما لم ينتبهوا الى أنها واحدة من أشهر أبيات قصيدة لا تصالح للشاعر أمل دنقل‏,‏ وذلك بعد استبدال كلمة جوهرتين بـ حجرين ربما لأن هذه الأخيرة هي الأنسب في التعبير عن مشهد البطل المسطول من أثر تدخين حجر الحشيش‏.‏
تذكرت هذا المشهد ونحن نحتفل بمرور ربع قرن على رحيل هذا الشاعر الفذ أمل دنقل‏,‏ والذي لم يعرفه البعض حق معرفته إلا قبيل وفاته بسنوات قليلة عندما داهمه المرض الخبيث حيث ظل حبيسا بالمعهد القومي للأورام طيلة أربع سنوات كتب خلالها ديوانه أوراق الغرفة‏8‏ وهي الغرفة التي ظل حبيسا فيها يتلقي جرعات العلاج الكيماوي حتي كاد يتحلل قبل وفاته في‏21‏ مايو‏.1983‏لم يكن الكثيرون يعرفون من هو أمل دنقل وربما لو كان حيا بيننا الى الآن لأصابته الدهشة من فرط اهتمام الأجيال الجديدة به ولعل ذلك يتضح من خلال موقع الفيس بوك على الإنترنت وكذلك مواقع المنتديات المختلفة‏,‏ فالمتعاملون مع هذه المواقع يتبادلون أشعار أمل دنقل سواء كانت مكتوبة أم مسجلة بصوته مؤكدين أنها أفضل ما يمكن أن يعبر عن أوضاعنا الحالية خصوصا قصيدة لا تصالح أشهر ما كتب أمل دنقل‏.‏ربما الشيء المثير للدهشة هو أن معظم زوار الفيس بوك هم فئة الشباب الذين كنا نتصور أنهم ربما لا يهتمون بمثل هذه القمم والهامات الأدبية الرفيعة والعالية مثل أمل دنقل‏,‏ وخصوصا أنهم لم يعاصروه‏,‏ ولذلك كان من الأولي أن ينصب إعجابهم على شاعر مثل نزار قباني نظرا لما يحمله شعره من عواطف جياشة وكلمات مؤثرة ومعبرة عن المرأة إضافة الى شعره السياسي‏,‏ ولكن الشيء الغريب أن هؤلاء الشباب اتجهوا بشكل أكبر الى شعر أمل دنقل‏,‏ فهم يتبادلونه على صفحات الفيس بوك‏,‏ بل ويحتفلون هم أيضا هذه الأيام بذكري مرور ربع قرن على وفاته من منطلق أشياء كثيرة لعل أهمها مواقفه الوطنية والقوية ومساهماته الشعرية في مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني‏,‏ فهو من وجهة نظرهم شاعر معارض وقيمة كبيرة في ديوان الشعر العربي‏.‏يصف زوار المنتديات علاقة أمل دنقل بالجماهير بأنها واحدة من أوسع وأعمق العلاقات التي كونها الشعراء العرب طوال تاريخ الشعر الحديث بل إنه يقف الى جانب كل من بيرم التونسي وأحمد شوقي في دائرة الشعراء ذوي الجماهيرية الواسعة‏,‏ فرغم أنه على حد تعبيرهم خالي الوفاض من أية عوامل مساعدة‏,‏ أو مؤثرات خارجية مثل تلك التي ساعدت بيرم وشوقي مثل الكتابة باللغة العامية أو الاهتمام الإعلامي الشديد أو تحويل قصائده الى أغنيات على ألسنة الجماهير‏,‏ فأمل دنقل كان متمسكا بلغته العربية الفصحي وكان دائم التمرد على النظام السياسي والاجتماعي لدرجة أنه كان ممنوعا من الظهور في التليفزيون أو وسائل الإعلام إلا أن ذلك لم يمنعه من تكوين شعبية وجماهيرية عريضة برزت في ترديد قصيدته الكعكة الحجرية في المظاهرات الاعتصام الشهير للضغط على القيادة السياسية لخوض حرب التحرير‏,‏ بل إن بعضهم يصف شعره بأنه تحول في مسار القصيدة السياسية في مصر بل هو أكبر لا قيلت في عصره لأنه كان شاعرا ثوريا ورافضا لكل الأوضاع الخاطئة العربية والمصرية‏,‏ فقصيدة لا تصالح من وجهة نظر الكثيرين من أعضاء منتديات الفيس بوك تحتاج الى صفحات لها وحدها فهي أكبر صرخة رفض تعبر عن حال الأمة العربية رغم مرور أكثر من‏30‏ سنة على كتابتها فإنها تبدو كأنها كتبت للأوضاع الراهنة لدرجة أن البعض يصف أمل دنقل بأنه كان على علم بما سيصل به الدهر بالعرب ولذلك كتب هذه القصيدة التي أصبح الجميع في حاجة الىها أكثر من الوقت الذي كتبت فيه‏,‏ لأنها الآن أفضل ما ينقل صرخات الألم والفجيعة في صدور السواد الأعظم من أبناء هذه الأمة المكلومة التي تعودت على طعم الذل حتي صارت لا تري وجودها إلا تحت أقدام الجلادين على حد تعبيرهم‏.‏أخذ عشاق أمل دنقل على عاتقهم مهمة البحث عن سماته وأوصافه فأهتدي بعضهم الى أنه كان صلبا شديدا لا يتغني بالقصائد بل إنه يمسك بالسكين ليكتب به الكلمات‏,‏ واستدلوا على ذلك من خلال كلماته التي قال فيها إنه عبر سنوات العذاب قتل كل أمل ينمو بداخله حتي الرغبات الصغيرة فلقد كان يريد أن يكون عقله هو السيد الوحيد‏,‏ لا الحب ولا الجنس ولا الأماني الصغيرة‏,‏ فهو لا يقبل كلمة رقيقة من امرأة لأن هذا سيضطره الى التودد الىها وهذا بالنسبة له يمثل الضعف الذي لا يغتفر‏,‏ ويدلل أصحاب هذا الرأي بأن أمل دنقل كان يخجل من مجرد وصفه بالشاعر لأن وصف الشاعر يقترن في أذهان الناس بالرقة والمشاعر الفياضة والنعومة‏,‏ لذلك فعندما نعته كمال الملاخ بأنه شاعر عاطفي قامت الدنيا ولم تقعد وقيل إن كمال الملاخ لم يقرأ شعر أمل دنقل ولم يعرفه لأنه لا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram