د. خالد السلطانيمعمار وأكاديمي لا نضيف كثيرا اذا قلنا بان منجز "زهاء حديد" يمثل الآن ظاهرة، ظاهرة مهنية مميزة في المشهد المعماري ما بعد الحداثي، انها الآن "نجمة" العمارة المعاصرة، ومع "نجوم" آخرين تسعى وراء تشكيل ذائقتنا المعمارية، وتحرص على تكريس خطاب ما بعد الحداثة في الفضاء المعماري.
ان منجزها التصميمي، كما اشرنا في دراسة أخيرة لنا، يغوي "دور النشر في اماكن عديدة لإصدار كتب مختلفة عنها. فهي المعمارة "الانثى" المشهورة عالمياً، وهي الوحيدة من الجنس اللطيف الحائزة على جائزة "بريتزكر" المرموقة (2004)‘ هذا فضلا بالطبع عن فرادة منجزها المعماري واستثنائيته في الخطاب. ويضفي اصلها غير الأوروبي قدرا كبيرا من حب استطلاع عارم نحوها، هي المولودة في بغداد (1950)، وفيها أكملت دراستها الأولية، قبل ان تدرس الرياضيات لاحقا في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم لتلتحق بعد ذلك عام 1972، في مدرسة "الجمعية المعمارية" {AA} بلندن. ومنذ تخرجها عام 1977، اختطت زهاء لنفسها مقاربة معمارية خاصة بها، لتضحى اليوم احدى اعمدة عمارة ما بعد الحداثة المهمين، إن كان في المجال المهني ام على الصعيد الأكاديمي"، لكن المهم في كل هذا، هو التأكيد على امتلاك زهاء، لمقاربة معمارية مميزة تنشد بها اجتراح إضافات تصميمية غير عادية وغير مسبوقة. ان تصاميمها الآن منتشرة في جميع أنحاء العالم من الصين وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، مرورا بالطبع في أوروبا، وبلدان الشرق الأوسط. ومع ان زهاء حديد مولودة في المنطقة العربية وترعرت فيها، (فهي اذن "بنتها"، طبقا للاعراف العربية!)، ولها تصاميم عديدة في بلدانها، فان القراء العرب وبضمنهم عدد كبير من المهنيين، لم يطلعوا بصورة واسعة على نتاجها المعماري، كما ان مقاربتها التصميمية لم تدرك بعمق حتى من قبل معماريين عرب كثر. ولم يصدر عنها لحين الوقت الحاضر اي كتاب بالعربي. وثمة صمت، غير مفهوم وغير مبرر، إزاء نتاجها ومقاربتها، يرخي بظلاله على الأوساط الأكاديمية العربية. فلم نقرأ في الفترة الأخيرة وما قبلها دراسات او اطاريح جادة تتعاطي مع منجزها المميز. ولا نفهم، حقاً، عزوف الأكاديميين العرب عن متابعة ما تحقق (وما سوف يتحقق!) في الورشة المعمارية ما بعد الحداثية العالمية، وبضمنها بالطبع ما تبدعه زهاء حديد نتاجها الذي يعتبر احد تمثيلات نتاج تلك الورشة الغزير، والمتنوع.. والصاخب دوماً! تتيح المقابلات "الشخصية" مع زهاء، إمكانية فهم نوعية الذهنية التى من خلالها يمكن التعرف على طبيعة المعارف والخبر والاهتمامات.. وحتى المصاعب والمعوقات التى تواجها المصممة وهي تشتغل على تصاميمها. فالاسئلة المباشرة، وتقصي طرائق التصميم وكيفية انجازها، إضافة الى تساؤلات عن نوعية الخلفيات الثقافية، وطبيعة الاهتمامات، وخصوصية الذائقة الفنية. كل هذا يمكن ان يطرح عليها، ومن ثم يمكن "سماع" إجاباتها عليها، لكن "قراءة" كل ذلك يبقي بالطبع رهناً في كيفية تعاطي المتلقيين (والنقاد من ضمنهم) لتلك التصاريح التى تسهم في إضاءة خصوصية مقاربتها التصميمية. ولئن كانت أطروحة "موت المؤلف" البنيوية، تتغاضى عمداً عن مقولات مبدع "النص" وتشكك بقيمتها، وترتاب في مصداقيتها، جاعلة من النص الإبداعي المجترح وحده، مركز الاهتام النقدي وموضوع مساءلاته؛ فان "الإصغاء" الى ما يقوله المبدع، لا يمكن اعتباره نافلة بالمطلق دوماً. لم اطلع (وأتمنى ان اطلاعي غير كامل)، على مقابلات مع زهاء حديد، منشورة في الميديا العربية، عدا لقاءين أجرتهما جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية (الأول كان في 4 سبتمبر 2004، والثاني في 24 ابريل 2008)، مضافاً اليهما ما ترجمه صديقي المعمار ظافر معن لحوار نشر في حينها في صحيفة دانمركية، وتم نشره لاحقا في "إيلاف" قبل سنين. وهذه الشحة المعلوماتية الخاصة في هذا الجانب، هي في الواقع تعبير عن نقص ابستمولوجي فادح، لا يمكن له ان يسهم في اثراء معلوماتنا عن ما يجري حولنا، وخصوصا اذا كان ذلك الأمر يتعلق باحد ابناء و"بنات" منطقتنا الافذاذ، الذين بهم نفتخر ومنهم نتعلم. من هنا تطلعت الى ترجمة مقابلة سريعة، لكنها أراها مهمة، لجهة اظهار نوعية المصاعب التي تواجه المبدع، وهو يسعى الى تحقيق "حلمه" التصميمي، حتى وان كان ذلك المبدع قامة هامة ومعروفة، كقامة زهاء حديد. ومنها ايضا يمكن للمرء ان يتعرف على اهتمامها الفنية وهمومها التصميمية. والمقابلة حظيت باهتمام واسع في الاوساط المهنية الروسية في حينها. بالنسبة اليّ (الدارس سابقا في المعاهد الروسية)، فان موضوع المقابلة قريب جدا ومفهوم جداً، اذ سبق وان كنت ضيفا دائما على "صاحب" الدار: قنسطنطين ميلنيكوف (1890-1974) التى تتحدث زهاء عنه وعن "دارته" باحترام جم. أجرى اللقاء "غريغوري ريفزين" وهو ناقد فني روسي معروف، ولد في موسكو 1964، وتخرج من كلية التاريخ بجامعة موسكو، اصدر عدة كتب في الفن والعمارة، وهو كاتب دائم في الصحف المعمار
زهاء حديد: الأمر لا يتعلق بمكسب مادي، انه شأن ثقافي!
نشر في: 15 يناير, 2010: 05:40 م