TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: تحطيم التماثيل فـي العراق الحديث (تماثيل بييترو كانونيكا)

تلويحة المدى: تحطيم التماثيل فـي العراق الحديث (تماثيل بييترو كانونيكا)

نشر في: 15 يناير, 2010: 05:43 م

شاكر لعيبيقبل أن ينتصب تمثال محمود مختار الشهير في القاهرة عام 1928 مُنجَزاً بيد فنان محليّ، لم تكن بغداد تعرف بعد النحت الحديث. بل انتصب عام 1923 في إحدى ساحات الكرخ تمثالٌ ذو طابع رمزي استعماري يمثل الجنرال الإنكليزي مود Frederick Stanley Maude (1864 - 1917) غازي العاصمة بغداد،
 الذي وقع تحطيمه، بصفته رمزاً للعبودية عام 1958 مع تمثال آخر هو تمثال فيصل الأول ( 1933بالصالحية)، ملك البلاد حينها. وإذا ما وقع حماس شعبي عارم لتمثال محمود مختار من زاوية وطنية قبل الزاوية الجمالية، فإن تحطيم التمثالين في العراق قد وقع أيضاً من باب حماسي وطني مندفع دون أي اعتبار آخر، جمالي أو معرفي أو تاريخي. فالمرويات عن تحطيم التمثالين العراقيين تروي أن الجماهير الهائجة قد عَبَرَتْ من "جانب الكرخ، جسر الأحرار الذي كان يسمّى في حينه "جسر مود" فواجهها تمثال الملك فيصل الأول وبلحظات كان الشباب قد أحاطوا بالتمثال، فأسقطوه، ربطوا رأس التمثال بالحبال وأطاحوا به أرضاً. بعد ذلك تم الانتقال إلى باب السفارة البريطانية وهي قريبة جداً حيث كان ينتصب، أمام البوابة، تمثال الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي دخلت بغداد عام 1915 وما فعله [الشباب] مع التمثال كان نفس ما فعلوه مع تمثال فيصل الأول، وكان مصيره نفس مصير صاحبه مع فارق بسيط هو أن تمثال فيصل لم يبق منه شيء فوق القاعدة أما تمثال الجنرال فقد سقط من حدّ ركب قوائم الحصان" (ذكريات تموزية، ناصر حسين). هناك شهادة أخرى لفائز الحيدر: "المئات من الجماهير تحاول أسقاط [نصب مود]، مستخدمة المطارق والفؤوس دون جدوى، كانت البداية تحطيم وأزالة اللوحة البرونزية المثبتة على مقدمة قاعدة النصب الكونكريتية، وبقي التمثال عصي على السقوط رغم كل المحاولات، وضعت عدة سلالم خشبية على الجانبين وتسلق العديد من المواطنين وربطوا حبال غليظة وسلاسل حول أماكن ضعف التمثال وحاولت الجماهير اسقاط التمثال دون جدوى، بعد عدة محاولات فاشلة توجهت سيارتين حمل ثقيلة وتم ربط السلاسل بها وتم سحب التمثال بأتجاهات مختلفة ولعدة مرات لغاية إتمام المهمة بنجاح وسط هلاهل وهتافات الجماهير، وتكسَّرت بعض أطراف التمثال واكملت الجماهير بما تملك من أدوات تكسير ما يمكن تكسيره".موضوعياً لم تكن غالبية سكان العاصمة ذات مران على التفكير بالأهمية التاريخية والوثائقية لأعمال النحت، ولم تكن تعرف الحفاظ على تماثيل مُنجزَة على يد فنانين عالمين، مثل تمثالي فيصل المذكور وتمثال عبد المحسن السعدون (الرصافة، الباب الشرقي 1932) اللذين أبدعهما الفنان الإيطالي بييترو كانونينكا Pietro Canonica (1869- 1959) الذي لا بد أنه قد شهد، بحسرةٍ، تحطُّم عملين من أعماله على يد الجماهير الغاضبة. وكدليل مستمر على عدم التدقيق بظواهر الفن ومنجزات الفنانين ما زال اسم الفنان الإيطالي يُكتب في المراجع العراقية، إذ عرفته، بشكل مغلوط غالباً، تارة (أوسكار ثانونينكا) وتارة (بياتروكا فونيكا). وتعزو له أحياناً تمثال مود، وهو ما لا نجد الدلائل عليه، لا في موقع متحف كونينيكا على النيت الذي يشير فحسب الى تمثالي فيصل والسعدون كإبداعين للفنان، ولا في أيٍّ من المصادر التي بين أيدينا.من هو كانونيكا على وجه الدقة؟.بييترو كانونيكا Pietro Canonica: ولد في مدينة تورينو الإيطالية عام 1869 وتوفي في روما عام 1959. نحات ومدرّس وموسيقيّ. دَرَس النحت عام 1880 في أكاديمية البرتينا دي بيله أرتي في تورينو بأشراف أدواردو تاباشي وتأثر في البدء بتقاليد المذهب الطبيعي مع تأثيرات رومانتيكية وأخرى من عصر النهضة. ثم تحوّل الى الواقعية وانتبه إلى تيارات القرن العشرين الطليعية. قامت شهرته على سلسلة بورتريهات نفّذها لشخصيات اجتماعية مثل إميلي دوريا- بامفيلي (مرمر، ارتفاعه 570 ملمتر، 1904، روما) ودوننا فرانكا فلوريو (مرمر، ارتفاعه 1050مم. 1903 - 1904 روما)، وأيضاً لأعضاء من العائلة الملكية البريطانية مثل أدوارد السابع (مرمر، ارتفاعه 570مم، 1903). وفي حصيلته عدة أعمال ذات موضوعات رمزية أو مقدسة مثلما عدّة آثار مأتمية أو تذكارية، كالتمثال القائم اليوم في مدينة تورينو لنصب فيكتور-إيمانويل الثاني في روما، ونموذجاً للقيصر الكسندر الثاني (جص، ارتفاعه 2.48م، 1912-1914) في بطرسبورغ، وتمثال كمال أتاتورك (برونز ومرمر ارتفاعه عشرة امتار، 1927 أنقرة). ولديه أعمال أخرى شهيرة منها: البينو  (برونز وحجر، أربعة أمتار 1922) في مدينة كورمايور الإيطالية والنصب المأتمي لبنديكت الخامس عشر (مرمر وبرونز ارتفاعه 12 مترا) في القديس بطرس في روما، وآخر لبيوس الحادي عشر (مرمر 1941-9) بقصر لاتيرانو في روما.بعد الحرب العالمية الثانية أنجز كانونيكا عدة أعمال دينية منها أبواب دير مونتيكاسينو (1951 وكاساماري 1959).كان أستاذا للنحت في أكاديمية الفنون الجميلة في فينيسيا (1910) وبعدئذ في أكاديمية الفنون الجميلة في روما. ومُنح عام 1950 عضوية مجلس الشيوخ مدى الحياة لانجازاته الفنية البارزة.أما تمثال الجنرال ستانلي مود فهو في الحقيقة من أعمال النحات البريطاني السير كوسكومب جون 1860-1952) وقد أنجزه ع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram