روما - عرفان رشيد لم تدم الهدنة بين رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو بيرلسكوني والمعارضة والقضاء إلاّ أياماً معدودة ولفترة النقاهة التي تمتّع بها بعد تعرّضه إلى الاعتداء بتمثال صغير على يد مواطن إيطالي وُصف بأنه مختل عقلياً، وساهمت فترة أعياد رأس السنة الجديدة ودعوات رئيس الجمهورية جورجو نابوليتانو في تخفيف نبرة المواجهة بين معسكري الحكم والمعارضة،
 وبين بيرلسكوني والقضاء. وبدا للجميع، أن الاعتداء على رئيس الحكومة صار حداً فاصلاً لمرحلتين في التعامل السياسي وترقّب الكثير من المحللين والمراقبين احتمال كون السنة الجديدة منطلقاً لإصلاحات سياسية ودستورية تخفف من حدة المواجهة، لكن ذلك لم يتحقق. فبمجرد عودته إلى الحياة السياسية من جديد أطلق بيرلسكوني شعاراً جديداً لجهة خفض الضرائب، ووجه بمعارضة شديدة من مناوئيه كما لم يصفّق له مناصروه بسببه، وذلك لعدم توفر الغطاء المالي لخطة التخفيف من الضرائب وتعارض خطوة من هذا القبيل مع أوضاع الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تفترض تقنيناً في الصرف وزيادة في أهلية الدولة على مواجهة العجز الكبير في الموازنات وفي الميزانية. إلاّ أن القشة التي قصمت ظهر (المنطق الحواري) جاءت بعد أول اجتماع لمجلس الوزراء، وجّه بيرلسكوني في ختامه هجوماًِ جديداً إلى القضاء الإيطالي معتبراً (بعض ما يفعله عدد من القضاة ضدي إنما هو أشد إيلاماً وخطراً مما تسببه لي تارتاليا)(المواطن الذي ضربه بالتمثال وتسبب في جرحه قبيل عيد الميلاد)، ما دعا المجلس الأعلى للقضاء إلى فتح ملف حول هذه الاتهامات وأضافت اللجنة الأولى للمجلس تلك التصريحات وغيرها ممّا نُشر في الصحف في اليومين الأخيرين إلى ملف أوسع كان المجلس قد فتحه للتحقيق في الاتهامات التي وجهها بيرلسكوني إلى قضاة ميلانو وباليرمو، الذين يحققون في ملف اتهام بيرلسكوني برشوة القاضي البريطاني ديفيد ميلز، وفي ملفات المافيا الصقليّة. وكان بيرلسكوني قد اتهم هؤلاءَ القضاة بكونهم (قضاة شيوعيين) وزاد في هجومه عليهم عندما تداخل عبر الهاتف في برنامج تلفزيوني واسع بُثّ القناة على القناة الثالثة في أكتوبر / تشرين الأول الماضي. ويُنتظر أن تحوّل اللجنة الأولى ملف تصريحات بيرلسكوني والتحقيقات التي جرت بشأنها إلى الاجتماع الشامل للمجلس الأعلى للقضاء الذي قد يتّخذ قراراً بمقاضاة بيرلسكوني، وقال رئيس اللجنة الأولى في المجلس الأعلى للقضاء بأن (هذا النوع من التصريحات التي يُدلي بها رئيس الحكومة لن تكون مفيدة بأي شكل من الأشكال في تنقية الأجواء).. وجاءت تصريحات بيرلسكوني ضد القضاة بالتزامن مع المداولات البرلمانية حول قانون جديد لتقليل المدة الزمنية التي تستغرقها المرافعات القضائية من عشر إلى ست سنوات، تُحفظ بعدها ملفات القضية بالتقادم حتى وإن اتخذت المحاكم قراراً بشأنها. واعتبرت المعارضة هذا القانون (صيغ خصّيصاً لحماية بيرلسكوني من الملاحقات القضائية التي تخصّه) وأعلنت أنها ستقف ضده لأنه (إعادة صياغة بمفردات أخرى لقانون آلفانو) الذي أسقطته المحكمة الدستورية العليا قبل بضعة شهور كونه (قانوناً غير دستوري). وتباينت وجهات النظر السياسية حول هذا الفصل الجديد للمواجهة بين بيرلسكوني والقضاء، ففيما اعتبر ساندرو بوندي، وزير الثقافة والمنسّق العام لحزب (الحريات) الذي يتزعّمه رئيس الحكومة، خطوة المجلس الأعلى للقضاء بأنها ( تحريف مذهل لمنطق القانون والديموقراطية)، فقد وصف القيادي في حزب (إيطاليا القيم) ليولوكا أورلاندو (اعتداءات بيرلسكوني المتواصلة ضد القضاء الإيطالي عبارة عن فعل من أفعال الإرهاب المؤسساتي).