محمد خضيرمذ وقعت عيني على النص الصيني الكلاسيكي (ون ـ فو) أي (فن الكتابة) المصنف في قالب قصيدة النثر، ونفسي تتوق إلى وضع قواعد مختصرة شبيهة بقواعد النص الصيني، تحكم فن كتابة الحكاية، وتربط بين مبادئ الطبيعة والزمن، وقرائن الحس والخيال.
بدأت بصقل أحد عشر مبدأ بسيطاً لناموس الحكاية، القابل للقلة والكثرة، والاختصار والتفريع، نشرت منها خمسة عام 1999(الموقد، النهر، المحبرة، العجلة، الحديقة) وأنشر اليوم الستة الباقية، آملاً في تطوير دورة التكوين والنماء، وصيرورة القواعد والأطوار، لهذا الفن الأصيل:1- المجرشة: الطاحون، الجاون، آلات الحصاد، مفردات العمل البشري الموزعة على عطاء الطبيعة الوفير، ومبدأ الحكاية الخصيب، تدور الاسطوانة الصخرية على قاعدتها الدائرية فتطحن مع البُرّ أغنية التعب اللذيذ، وحكاية الشقاء الدائرة على شفاه عذراء الأكواخ، ينمو المبدأ من هشيم الصمت ودورة الطحن وسمرة الوجوه، اليد الموشومة تدير القرص الحاكي في غرامفون الحصاد، اللسان المقيد يحكي، كائنات الليل تصغي، الآلام الدفينة تهدأ، دورة الرحى، نقرات الجاون، حصيد المنجل، تسجل المبدأ الأصيل لحكايات الصبر والسلوى. الأرض تجزل العطاء، رجالها القساة ينكسرون بمنطق الحكاية، دوران المجارش وأنين الطواحين وعذوبة الغناء، أي منطق أقوى منها.2- المرآة: سطح الحكاية صاف كمرآة، الحيّة الحاكية تمشط حراشفها بمشط السعف الشبيه بمشط الذئاب، كانت الحيّة فتاة حسناء، تتزنّر بزهر الرمان، وتلتحف بليف النخل، وتتجلى حكايتها في مبدأ النشوة الخضراء، المشبوبة بعزلة البساتين، الحجل، القرط، الماشة، المرود، سلة الثياب، فروع المبدأ المصوغ من اجتماع النباتي والمعدني، الإنساني والحيواني، في ملمس الحيّة الحاكية، ينعكس الوجه المخضرم في صفحة المرآة كانعكاس المبادئ المخضرمة في حكايات الأعمار المتعاكسة.. المرآة ناطقة، والحكاية صامتة، والسعف يمشط حراشف الحيّة الشمطاء دون كلل.3- الصندوق: السفط، القمطر، القوقعة، العشّ، تفرعات مبدأ الصندوق الحكائي الحاوي أسرار الولادة وألعاب الطفولة وأسلحة الرجولة وغوايات العشق، يثوي الصندوق أسفل مشكاة علق فيها مصباح زيتي ينثر ضوءه على محتويات الصندوق، يسأل المبدأ عن مصرع صاحب الصندوق، الشاب في ليلة عرسه، فلا يحير الصندوق جواباً، وينطق الخنجر بدلاً منه.. تسأل الحكاية عن شاهد العرس الدموي، فتفيد السحلية المعمرة أنها شاهدت خيطاً من الدم يخرج من شق في الجدار الذي تسكنه ويسيل حتى شريعة النهر، منذئذ والسحلية ترقد بجوار الخنجر الملفوف بشرشف العرس، يُعاد السؤال عن القاتل، فيجيب المصباح أن يد الغريم الجاني انتزعته من مسماره وسارت بالعروس حتى القارب الذي ينتظرهما عند الشريعة، من كانوا جيران السحلية في الصندوق، ومن أعاد المصباح إلى مكانه في المشكاة، ومن أخذ بثأر العريس القتيل؟ ينقفل الصندوق على أسراره، وتنتظر الحكاية شهوداً آخرين.4- السُّــلّم: السنام، التل، القبر، ارتفاعات السلّم الحكائي لأعمار الحكاة والحداة والأشباح السائرة في أدنى درجات الحياة. ظل السلّم على الجدار، يمدده ظل المبدأ المتدرج في ارتفاعات البرهة والحين والأبدية، ارتقاء المبدأ ونزوله، عروج الحكاية ثم هبوطها، تناقلات الشكل والصورة بين الأحياء والموتى، الحيوانات حين تتكلم بلغة البشر، والبشر حين يُنسخون في حياة ثانية.. الحاكي المنسوخ، المجدف والساخر والمتهتك، الذي امتد به العمر ونزل أسفل سافلين، والحاكي المرفوع أعلى درجات الكمال الإنساني، يتساويان في لغة الحكاية وشرعتها، وإنْ اختلفا في رتبة السلّم الحكائي وقسط الحظ والمصير.5- النول: النول والمنبر شعارا بصرياثا، مدينة الحكايات، وموطن النساجين، ومرتع الخياطين، الإبرة، الخيط، دولاب الخياطة، تحكي أفانين المشاغل البصرياثية. الأنسجة الموشاة، القُوهية والخُوزية والمُدرهمة والمُعصفرة، تغطي الأجساد الحاكية في مجالس الأنس الشهرزادية، بينما الفقراء والسحرة والحمالون يحتشدون على أبواب المشاغل طلباً لمبدأ الأنوال الحاكية. العراة والكساة، الأبرياء والجناة، الملوك والشحاذون، موزعون على بيوت الحكاية في بصرياثا، ذات الأنوال والأنوار، بالقسطاس المستقيم.6- الخُفّ: تعود الحكاية بعد جولتها في الأصقاع والأسماع إلى أصولها التي ولدت منها، محمولة على خُفّ زبيري، أو نعل يمانية، أو حذاء بغدادي. تشيخ الحكاية، ويشبّ المبدأ، ويتخلف الخفّ عن صاحبه، فيجوس في أماكن الحكاية المطروقة جامعاً الهدايا والعطايا المتأتية من الجمهور، ثم يبلى الخفّ، وينقطع شسعه، فيلحق بروح الحاكي قبل أن تبلغ منتهى المراقي.
خارج العاصمة: مبادئ الحكاية
نشر في: 18 يناير, 2010: 05:55 م