الكتاب: الصليبيونتأليف: توماس أسبريدجترجمة: ابتسام عبد اللهعندما اشعل البابا أوربان الثاني الحملة الصليبية الأولى في عام 1095، أطلق بذلك سلسلة من "العنف والحقد والحملات"، وكما يصف المؤلف ذلك، "حملات كان فيها المسيحيون والمسلمون يرتكبون أعمالاً وحشية". وقد أنتهت تلك السلسلة من الحروب في عام 1291،
عندما انتصر المماليك المصريون وسيطروا على عكا آخر أرض كانت تابعة للأجانب في الأرض المقدسة وكما أن أسبريدج يحذر في كتابه الضخم القيمّ هذا أن ذلك العنف ما يزال صداه يرّن معلناً الخطر حتى يومنا هذا.ومن الأمور الغريبة جداً والتي أضفت على تلك الحروب نوعاً من السحر ما يزال قائماً، هو أن تلك الحروب شنت وتم تبريرها وأجيزت شرعاً وحفزت بالأيمان ـ من كلا الطرفين، وكما أن حج التوبة جدد للمسيحيين بوضوح زيارة الأرض المقدسة، كذلك الاسلام، بحثه على الجهاد الروحي لتجسيد فكرة محاربة الإلحاد. وإن كان الفكر الديني المسيحي والمسلم متوازيين، فإن الهدف الرئيسي لهما واحد وهو السيطرة على المدينة المقدسة، القدس.وكذلك، كما يقول المؤلف، كانت الوسائل: حصار طويل لا نهاية له واستعادة المدينة، واللجوء الى القوة.ففي الحملة الصليبية الأولى والاستيلاء على القدس ونهبها في عام 1099، عندما قتل آنذاك عدة الوف من المسلمين، وكما يقول شاهد عيان، أن الكثيرون منهم قتل برماح وجهت اليهم من الابراج واخترقت اجسادهم، كما تم تعذيب آخرين فترة طويلة، او تم إحراقهم حتى الموت.وعندما جاء أمير حلب لاسترداد مدينة إديسا من الفرنجة عام 1146، وصف مسيحي سوري كيف أن سحابة سوداء غلّفت المدينة التي غرقت بالدماء.وعلى الرغم من أن المؤلف يتحدث عن العنف والدماء التي اريقت في الحرب فانه لا يتمالك نفسه في الاسترسال بمديح ريتشارد قلب الاسد كبطل قادر على تسديد السهام وهو على السرير. لكنه (المؤلف) يعود ليصف الاوضاع بعد حصار عكا عام 1190، عندما أخذ ريتشارد 2700 شخص من أقوياء الجيش الاسلامي وذبحهم مباشرة بعد ذلك، ويصف أسبريدج أيضاً أن صلاح الدين بعد انتصاره في القدس بعد معركة حطين عام 1187، قدم لملك القدس الخائف والعطشان كأساً ذهبية من عصير (الجلاّب) المثلج. ومع ذلك فان تلك الحرب أيضاً كانت مسرحاً لعمليات القتل، تساقطت عليه الرؤوس والجثث المشوهة.وكتاب "الصليبيون"،يهتم كثيراً بالمناورات التي تمت بين تلك الاطراف عبر اطراف دبلوماسية من الطبقة الاستقراطية، كما انه يحفل بالحكايات النادرة التي ظهرت واشتهرت في القرون الوسطى.ومع ذلك فان المؤلف يستطيع فيما بعد سحب نفسه من تلك الاجواء للانتقال بنجاح تام الى الفصول التالية من الكتاب، ليتجول بالقارئ في عقول ومخيمات كل طرف من الاطراف.وهو يبدأ بقصة انتصار الحملة الاولى عام 1090، ثم ينتقل الى حملة المسلمين في 1140 وما بعد ذلك، والتي انتهت بانتصار صلاح الدين وسيطرته على مدينة القدس في 1187. أما الحملة الثالثة فجاءت في أعقاب تحدي قلب الاسد لصلاح الدين عام 1180 و 1190، حيث جرت معركة ملحمية اما الحملة الرابعة فكانت في خلال نهب والسيطرة على القسطنطينية في 1204، والحملة الخامسة والتي تحولت الى كارثة جرت في دلتا النيل عام 1221، انتهت بانتصار المماليك المصريين.والتفاصيل التي يتطرق اليها المؤلف مستمدة من مصادر إسلامية، وهي تتحدث عن استراتيجيات ومحفزات المسلمين فبينما كان الصليبيون، ينظرون الى الحروب كصدام للحضارات، فان الحكام المسلمين كانوا في الغالب مهتمين بالسلالات الحاكمة في العراق ومصر وغيرها. كما أن المصادر الاسلامية تتضمن بعض القصص المدهشة عن تبادل الادوية والثقافة.ففي القرن الثاني عشر، وصف النبيل السوري أسامة بن منقذ كيف انه تمكن بلا عناء من زيارة الأماكن المقدسة في مدينة القدس إبان الاحتلال الصليبي لها، وانه عقد صداقات مع بعض الفرسان، الذين اتاحوا له المجال لزيارة المسجد الأقصى، كي يتمكن من الصلاة فيه.ويقول المؤلف أنه من المحزن أن يقرأ المرء عن حادثة كتلك، ولا يتأسف عند المقارنة بين الماضي والحاضر في القدس، ويحذر من اللجوء الى نظرية التوازي التي تقول ان العمليات متلازمة وان إحداها تتغير بتغير الأخرى،كونها نظرة سطحية للأمور ويحذر أيضاً من خطورة الميل الى ماض مركب من أجل الوصول للحقيقة. وهو يدرك ان كلمتي "الحملة الصليبية" و "الجهاد" قد حفلتا بمعانٍ محفوفة بالاخطار منذ احداث الحادي عشر من ايلول 2001، تعني مواقف سياسية او استعمارية، لم تكن موجودة في القرنين الثاني والثالث عشر. وتلك الحملات وقسوتها وعنفها يجب إبقاؤها في الماضي، وحيث تنتمي.rnعن الصنداي تايمز
الحروب الصليبية إلى الماضي وليس الحاضر
نشر في: 19 يناير, 2010: 05:27 م