TOP

جريدة المدى > غير مصنف > بين البصير وطه حسين

بين البصير وطه حسين

نشر في: 20 يناير, 2010: 04:56 م

د. نعمة رحيم العزاويمحمد مهدي البصير وطه حسين علمان كبيران من اعلام الادب العربي الحديث، وقد جمعت بينهما وشائج شبه كثيرة، منها ان كلا منهما حرم نعمة البصر وهو يعدو الرابعة من عمره، وان كلا منهما تهيأت له الدراسة والادب، وان كان طه حسين أيسر من قرينه ذكراً، وأوسع شهرة. ولعل اهم وشيجة جمعت هذين العلمين الكبيرين،
 ان لكل منهما موقفا مبكرا من قضية ادبية مهمة، شغلت الدارسين في بداية الربع الثاني من هذا القرن، واثارت جدلاً واسعاً، فألفت فيها الكتب، ودبجت الفصول ، تلك هي قضية انتحال الشعر الجاهلي. واذا كان الزمن ما يزال يعي هذين الموقفين، فانه لن ينسى كذلك جملة مواقف، تعارض فيها البصير وطه حسين، وكان لكل منهما راي يخالف رأي قرينه، حتى ظن بعضهم ان طه حسين لايكاد يرى راياً، أو لايكاد يقرر حقيقة ، حتى يسارع البصير الى الرأي فينقضه ، ويبادر الى الحقيقة فيردها. ويتخذ موقفا معارضا لها. وواضح ان جملة اصحاب هذا الظن لم يفقهوا موقف البصير من طه حسين. ولم يستطيعوا ربطه بالدوافع التي تكمن وراءه، وتبعث عليه، فليس بالبصير حب المعارضة لمعاصره الكبير، وليس به اثارة من اثارة من حسد، او هاجس من شنان، وانما كانت بعض اراء طه حسين تمس نزعة عامة في نفس البصير، تلك هي حبه لأمته وحرصه الشديد على الا ينال احد من أدبها وتاريخها، فالبصير اذن كان مضطرا الى ان يقف لطه حسين بالمرصاد، وان يفند كثيرا من ارائه، وقد صرح بذلك فقال: "وكم كنت أود ان اتحاشى هذا الموقف من طه حسين ولكنه اكرهني عليه إكراهاً، واضطرني اليه اضطراراً، بما يذيع في الناس من اقوال خاطئة، وآراء باطلة". وقال البصير ايضاً "قبل الف ومئتي سنة تقريباً قال المفضل الضبي لقد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح ابداً، وانا ازعم ان طه حسين افسد النقد الادبي في اللغة العربية فساداً يصعب اصلاحه كل الصعوبة، ولئن كان حماد الراوية قد افسد الشعر لانه ينسب ما يشاء الى من يشاء في غير مبالاة ولا اكتراث، رغبة في ان يتفرد بين الرواة بكثرة الحفظ وسعة الرواية على ما يزعم "ان طه حسين قد افسد النقد بطمسه حقائق الادب، وتشويه معالم التاريخ ، سعيا وراء الإتيان بالجديد، وعملا على كسب الشهرة من هذا الطريق". ولكي نفي هذا الموضوع حقه لابد من تسجيل ابرز الاراء التي خالف فيها البصير طه حسين ، وبيان صلة هذه المخالفة بالنزعة القومية التي تمكنت من قلب البصير واحتلت اقطار نفسه، ووجهت كثيرا من ارائه ومواقفه في الادب والتاريخ. ان قضية "الانتحال" التي رفع لواءها طه حسين كانت اهم القضايا التي شغلت البصير ، فانبرى يدلي برأيه فيها، ويقيم الادلة على بطلانها أو على التطرف الذي طبع اراء طه حسين بشأنها. فحين اصدر طه حسين كتابه "الشعر الجاهلي" سنة 1926 وذهب فيه الى إنكار الشعر الجاهلي والاعتقاد بأن الادب العربي الحقيقي يبتدئ بالقرآن، قامت ضجة كبيرة حول هذا الرأي، وتسابقت الاقلام الى تفنيده، وإقامة الدليل على بطلانه، او تطرف صاحبه فيه. وكان البصير يومذاك مدرسا في جامعة آل البيت في بغداد، فقرأ الكتاب قراءة دقيقة، وتدبر الاراء التي ساقها طه حسين فيه، فخرج بنتيجة منطقية هي ان الصواب الاعتراف بكثير من الشعر الجاهلي، ولاسيما المعلقات السبع ، ثم عقد العزم على تأليف كتاب يضمنه هذا الرأي، وقد انجز تأليفه سنة 1929، ولكنه لم ينشره ، وانما اكتفى بتدريسه لطلابه في جامعة آل البيت. ثم كان سفر البصير الى فرنسا للحصول على الدكتوراه، وهناك حاول ان يقدم كتابه عن الشعر الجاهلي على انه أطروحة لنيل الشهادة المذكورة، فسمح له عميد كلية الاداب في باريس بتسجيل الكتاب، ولكن المسألة تطورت بعد ذلك حتى وصلت الى المستشرقين ، فقضي على المشروع قضاء مبرما، لأن سياسة المستشرقين الفرنسيين المصطبغة بصبغة علمية ترمي الى انكار شخصية العرب الادبية، فهم يرفضون الشعر الجاهلي كله رفضا تاماً، ولايعترفون بصبغة أدبية فنية للقرأن" ويذهبون ايضا الى ان النثر الفني لايبدأ الإ بابن المقف". أي انه يبدأ برجل اجنبي". لقد قال ماسنيون للبصير:" إننا معاشر المستشرقين ننكر ان يكون هناك شعر جاهلي، وليس بيننا سوى مستشرق انكليزي واحد يقول بعكس هذا". وما زاد ماسنيون رفضا لكتاب البصير انه زار العراق سنة 1934. ودرس هوية البصير السياسية، فساءه ان يكون من انصار الوحدة العربية "التي لا تروقه ولا غيره من المستشرقين الفرنسيين المعاصرين". وقد كشف ماسنيون للبصير عن استيائه هذا، فقال له عندما زاره اول مرة:"أأنت تشتغل بالسياسة؟" فقال له البصير: "كنت اشتغل بالسياسة، ولكني الان طالب علم فقط"، فأردف ماسنيون سائلاً: "متى بدأت حياتك السياسية ، ومتى انتهت والى أي حزب كنت تنتمي؟" كان البصير يجيب عن هذه الاسئلة بدهشة حدته على ان يقول لماسنيون: "انك تهتم بحياتي السياسية القصيرة والبسيطة جدا، مع اني لم اشتغل يوما ضد فرنسا". ومهما يكن فأن المستشرقين كتموا فكرة البصير عن الشعر الجاهلي، ولم يسمحوا له بنشرها في دراسة علمية لتبقى فكرتهم التي حملها عنهم طه حسين هي السائدة في رح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

اعتقال صاحب منزل اعتدى على موظف تعداد سكاني في الديوانية

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram