اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > استاذي الخالد

استاذي الخالد

نشر في: 20 يناير, 2010: 05:07 م

الدكتور علي الزبيديلا اذكر اني عانيت حيرة وارتباكا اكثر مما اجد الان لان البصير رحمه الله وان كان لنا استاذا وكنا له تلامذة ، الا انه كان عندي اكثر من استاذ، كان ابا واخا وكان صديقا وكان مربيا وكان قدوة متنوعة الاشكال ولهذا تتعدد المشاعر في نفسي وتتداعى وتتكاثر الصور في مخيلتي ، فأيا منها اختار لموقف كهذا؟ هل اتحدث عن عمله الثر،
 او عن وطنيته الشعلة، او عن اخلاقه الورد، او عن مشاعر الوداد والعطف والحنان التي كان يغمرنا بها فنحس انه الملجأ الذي نلجأ اليه كلما احتجنا الى مساعدة الاستاذ والصديق والاب والمربي والموجه والوطني المخلص، هذا الثراء في شخصية البصير، رجل المآثر والمواقف القومية والوطنية الجريئة، هذا الثراء هو مصدر حيرتي وحيرة كل من يؤبن البصير ويرثيه وكل من يريد الكتابة عن واحد او اكثر من الجوانب المضيئة في شخصيته وسيرته. ولا ريب في ان ما يمتلئ به معجم الرثاء من الفاظ وتعابير لا تخفف من حرجي ، لان التكرار وطول الاستعمال افقدها اصالتها وقوتها، فصارت تدور على اللسان ولا تعبر عما في الانسان وعما يجب ان يقال في انسان عظمت انسانيته وتجاوزت ما للغة التقليدية من طاقات، لن تنفعني اذن خطب التأبين ولا مراثي الاقدمين والمعاصرين فهي ليست مني.. ولعلي لا ابالغ اذا قلت انها بعيدة، بعيدة جدا عما احس به نحو رجل مات ولكن ما ازال الشعر انه حي، لان حياته لايمكن ان يجهز عليها قبر صغير، قبر عاجز عن ان يحرم الاحياء من فضل الخالدين، في تأبينك ايها الميت الحي، ايها البصير الخالد، لن تفيدني سوى نفسي وما يضطر فيها من مشاعر، وذاكرتي وما حفظت وما احفظ فيها من صور وفاكار، وهذه المشاعر والصور وأفكار اكثر ما احتاج اليه في موقف كهذا. ها أنذا أتخيله وهو يسير بخطاه السريعة يقوده جاسم العبودي مساعده آنذاك، ورأسه مرفوع وانفه شامخ ، ولكن من تواضع ودعة يوحي بها وجه لاتفارقه البسمة حتى اذا اكتأب، وها انا امتثله امامي وقد استقر على منصة التدريس، وطلب من جاسم قراءة الاسماء للتفتيش وضبط الحضور والغياب. وعلى توالي الايام عرفنا تلك الجلسة على انسان كان يعطي لانه لايعرف غير العطاء، لقد اعطى لوطنه من ثورة العشرين اقصى ما يمكن ان يمنحه رجل فقد نعمة البصر، فاعطى الثورة اكثر ما اعطاها المبصرون ، ولم يأخذ عشر معشار ما اعطاه، لانه لم يطلب ، ولم يعتد على الطلب ، كان كريما مع غيره، كريما مع نفسه، بل ان أجلى وأوضح ما فيه ، هذه الكرامة والعزة، وكان ابرز ما في هذه الشخصية انها طموح، قابلة للتطور والتجديد ، وقد بان هذا حينما عاد البصير رجلا اخر من فرنسا. عاد وهو يحمل فكرا وعلما جديدا ويرتدي زيا اخر، ولكن نفسه الصافية ، وخلقه الطيب، وسلوكه مع الناس ظل كما كان.. لم يتغير.. ويخطئ من يظن ان شعلته الوطنية قد ضعفت، لقد انقلب خطيب ثورة العشرين الى استاذ وموجه واديب يربي ويغذي ابناء واحفاد ثورة التحرر والاستقلال، وخرج من دار المعلمين العالية اجيالا بعد اجيال تعلمت منه الكثير ولم يكسب منها ولا من غيرها الا القليل، واكبر الظن ان ما اصاب العراقيين بعد ذلك من نكسات قد ترك في نفسه بعض الجروح واشعرها ببعض الخيبة ، لقد كان البصير نموذجا يطلب النماذج والمثل العليا فاذا به يصطدم بمساوئ لم يتوقعها، وكان اشدها على نفسه تكالب المتكالبين على المنافع والمكاسب، وكثير من شعره ونثره يعبر عن هذه النفثات والخيبات وبعض المساوئ التي كان يشكو منها المجتمع العراقي والعربي في العشرينيات والثلاثينيات. لقد تحولت ثورة البصير الاولى الى شحنة جديدة عرف كيف ينظم موجاتها ويترجمها الى عمل مثمر في خدمته التعليمية الطويلة، وفي نشاطه الادبي، وفي غزارة عطائه في هذا الميدان. ولم يكن يعطي العلم فقط بل كان يمنح معه المحبة والصداقة والحنان. ولم يكن يمنح الحنان والصداقة والحب فقط بل كان يعلم الخلق الكريم فالطيبة، والوداعة ، ومساعدة الاخرين، وتجنب الاساءة اليهم، واكراه النفس على العمل باخلاص وبجد، والحرص على عدم اضاعة الوقت فيما لاينفع، كان كل هذا من سمات البصير ومعالم شخصيته المحبوبة، ولم يقتصر تجدد البصير على ثقافته القديمة، ويتأثر بها الا انه استطاع ان يجددها ويعطيها شكلا ومضموناً. وقد تجلى هذا في ابحاثه الادبية، فقد وضح فيها تاثره بمناهج البحث الحديث وبان في مواضع كثيرة وفي آراء متعددة بثها هنا وهناك.. لا جزافا.. بل بعد دراسة ونظر ولجوء واضح الى البرهان، وكتاباه: بعث الشعر الجاهلي، وفي الادب العباسي، حافلين بما افاده البصير من دراسة في فرنسا وما افاد منه طلابه وقراؤه. رحمك الله يا استاذنا الخالد وثق اننا لن ننساك وهل ينسى من له ادب خالد وشخصية لاتنسى؟ مجلة الف باء كانون الاول 1974

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram