فيصل عبد الله كان يمكن لشريط "دار الحي"، عرض ضمن فقرة ليال عربية في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير، للإماراتي علي مصطفى ان يحمل نواقص التجربة الأولى وهناتها. أو لعله يخل بمعادلة صعبة التوازن بين إيصال فكرة الموضوع، والاحتفاظ بحيوية تصاعد خطها الدرامي، ومن دون الإخلال بالمعالجة السينمائية.
لكن الشاب علي مصطفى، المولود في لندن من أب إماراتي وأم إنكليزية والدارس في أحد أهم المعاهد السينمائية "مدرسة لندن للفيلم"، قد قلب أغلب التوقعات وخيب الكثير من الظن، مثله مثل شريطه، الأول في دولة الإمارات العربية المتحدة يحمل مواصفات الشريط السينمائي العالمية، تقمص مصطفى شخصية مدينة دبي وسمعتها، كمكان جذب وما يحمله من وعود ثراء لطالبي فرص العمل من مختلف الجنسيات القادمة من بقاع الأرض، وقدم صورة أقرب إلى البورتريه السينمائي لفضاء أسمه على مسماه، ولئن كان التنوع والاختلاف هو سمة هذه المدينة الناهضة، وكأنها تحاكي بذلك أحد أهم أسس المدن الكوزموبوليتانية والقائمة على الواحدية والتعدد، فان مصهرها الحياتي يقول الكثير في هذا الشأن. فيض من سرديات قصص لا تنتهى. ومن عالمها أستلف هذا الشاب قصة شريطه، وكتبها بمساعدة البريطانيين جوني بروان وجيري شيراد، والمنتج تيم سميث صاحب شركة "فيلم ووركس" التي انتجت شريطي "سريانا"(2005) و"المملكة"(2007)، وصوره بالكامل ونفذه في مدينة دبي الإعلامية وأستوديوهاتها. تدور خيوط حبكة الشريط حول الشاب الثري فيصل(أول أداء سينمائي للمذيع الإماراتي سعود الكعبي)، والذي تربطه علاقة صداقة قوية مع صديق طفولته خلفان (أداء العراقي الكندي ياسين السلمان والمكنى بالنرجسي)، ورغم التفاوت الطبقي، ان صح التعبير، فان فيصل يجد في صديقه الناري خلفان نافذته الوحيدة لطرد السأم الحياتي الذي يعيشه والتعويض عن غياب الرفقة الحقيقية، فيما يبحث الشاب الهندي باسو (أداء الممثل الهندي سونو سود) عن حلمه خارج مقعد سيارة الأجرة ومقودها، وعبر تمثله لنجم غناء هندي ضارب في جماهيريته الشعبية. ومثلهما تجد المضيفة الرومانية، وراقصة البالية السابقة ناتاليا (النجمة ألكسندرا ماريا لارا) في حبها للبريطاني غاي بيرجر (جيسون فيلمنغ) الذي يعمل في ميدان الإعلانات. خيوط لأقدار تبحث عن ممكنات لتحقيق أحلامها، لم لا وإمارة دبي قد أغرت الكثيرين بوعود لا طائل منها، على هذه الخلفية تتصاعد أحداث الشريط. ف يصل، يدفعه انغماره في حياة اللامسؤولية التي وضعها والده فيه، يصاب في حادث اصطدام سيارته ولكن صديقه العزيز خلفان يدفع الثمن.. "يابه أنا ذبحت خلفان" وهو يواجه والده في مقطع تتقابل فيه عقلية المحافظة مع ثقافة جيل الشباب في مجتمع مرفه، ومثله يجرح السائق باسو في تلك الحادثة، ويكون قد فقد وظيفته كسائق ومن ثم كمغن هاو في أحد النوادي الليلة بعد تشوه وجهه، فيما تتكشف للمضيفة ناتاليا وعود صديقها رجل الإعلانات غاي الكاذبة، بعد ان أخبرته بحملها، ما يدفعه الى تهديدها وتحويل حياتها الى جحيم لكونه مرتبط بشبكة علاقات نافذة في هذه الإمارة. مرارة هذا التهدديد تضاعفها أكاذيب صديقتها أولغا (ناتاليا دورمر) وسرقاتها، شريط "دار الحي" عن الحلم وممكنات تحقيقه. عن الخسائر الواجب دفعها في رحلة البحث الإنساني في هذه الإمارة المغرية بما توافر لها. وحده رجل القمامة الآسيوي، سيكون في آخر الأمر هو الفائز بجائزة مسابقة اليانصيب على خلاف توقعاته ويسلم أمره الى الله. ما توافر لشريط "دار الحي"، من دعم مالي قدمه مهرجان دبي السينمائي وغيره من مؤسسات حكومية وخاصة ووصل الى مبلغ يقارب الـ7 ملايين دولار أمريكي، ومن نجوم هوليوود المعروفين، والى يد مدربه في العمل السينمائي العالي الجودة، فان شريط "شروق-غروب" للشاب السعودي محمد الظاهري، مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة، لم يحظ بمثل هذا الدلال والإمكانات ولا يدعيها. فقد راهن هذا الشاب القادم من اختصاص بعيد كل البعد عن السينما، خريج كلية الصيدلة، على نباهته واهتمامه برصد الظواهر الإجتماعية في المجتمع السعودي. نباهة فاقت بقوتها وجرأتها ما قدمه الأدب، مثلاً، وخصوصاً الرواية. ففي "بنات الرياض" لرجاء الصانع، والتي حازت على ثناء نقدي كبير كونها قاربت موضوعاً اقرب الى المحرم، ألا وهو عالم المخفي وعبر حكايا نساء سعوديات يبحن بيوميات حياتية ويكون جهاز الحاسوب ناقلها. على خلاف ذلك، ينقلنا شريط "شروق-غروب" الى الوجه الآخر لعالم مدينة الرياض، عالم يكسر الانطباع السائد والجاهز عن المملكة العربية السعودية، ما تكشفه الكاميرا، تقديم ذكي أقرب الى عمل الهواة، نقل حركات صبي ينظر الى شباك صغير مفتوح على السماء، وصوت قادم من مذياع حيث ترتل آيات من القرآن في إحدى الصباحات، ومن ثم دورانها في أرجاء بيت فقير حيث يجلس أب وزوجته وأبنهما لتناول الفطور، وصمت مطبق تتبادله هذه العائلة. فيما تتابع الكاميرا في النقلة الثانية خروج الأب بصحبة أبنه وهم يستقلون سيارة متواضعة من أجل الذهاب كل لعمله، الصبي الى مدرسته، فيما الأب الى عمله في الأسواق، المدرسة أوضاعها بمجمله
"دار الحي"و"شروق-غروب"..سرديات مسرحها إمارة دبي والعاصمةالرياض
نشر في: 20 يناير, 2010: 05:53 م