TOP

جريدة المدى > سينما > حق التفكير وحد التكفير

حق التفكير وحد التكفير

نشر في: 22 يناير, 2010: 05:33 م

جاسم العايفلم يكن حرمان الدكتور نصر حامد أبو زيد من حقه في الترقية إلى درجة الأستاذية، على الرغم من كل نشاطه وكتبه العلمية وأبحاثه الأصيلة المتعددة التي تجاوزت الستين، ما بين كتاب وبحث ودراسة ومقال علمي، خلال ربع قرن من عمله في التدريس الجامعي بكلية الآداب/ جامعة القاهرة/
لم يكن تجريده من حقه كافياً، بل تم نقل موضوعه إلى خارج الحرم الجامعي باستغلال بشع لوظائف المساجد وطقوسها العبادية للنيل منه ومن نشاطه الفكري وجهوده البحثية، ووصل الأمر حد (تكفيره)، وليكشف ذلك أن هذا الموضوع لم يكن مسألة عدم الأهلية في الترقية العلمية فقط بل قضية، مؤسسية- خفية، لها ثوابتها وطموحاتها وأهدافها عبر الدعم المعنوي والمالي من جهات "متخفية" خلف الأفراد الذين التزموا الأمر وتم توزيع كتبهم، بطباعتها الراقية، مجاناً، في الجامعات والمساجد والشوارع العامة، إذ ارتفعت الأصوات للتنادي ضد (د. أبو زيد) بإقامة دعوى ضده بهدف إثبات (الرّدة) و تهييج الشوارع و الغرائز وتغييب العقل، ولينقل الأمر إلى المحاكم بدلاً من منابر البحث الجامعية وتقاليدها العلمية وليكشف هذا التنادي والتداعي والتهييج عن العداء التاريخي المستحكم ضد التفكير العلمي الحر، منذُ مسألة " الشعر الجاهلي" لطه حسين و"القصص في القرآن الكريم" لمحمد أحمد خلف الله، و"مسألة الحكم في الإسلام" لعلي عبد الرازق ..الخ، ولم تكن هذه الأمور اختلافاً في المناهج والرؤى والاجتهاد والتفكير وحرية البحث في الحرم الجامعي وقاعات الدروس، لكنه يتحول في عصور الانحطاط المتواصلة حتى آلآن إلى نطاق المحاكمات والدعوة العلنية للقتل عبر سلاح (الرّدة)، و نافخين النار تحت غطاء (الإسلام السياسي) دامجين عن عمد بين حق (التفكير) الحر للكائن الإنساني وحد (التكفير) وسلاحه الذي لم يكن سوى القتل وهدر الدم بطريقة همجية. تنحصر الاتهامات التي وجهت إلى (د. نصر حامد أبو زيد) بالعداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضها وتجاهل ما أتت به. والهجوم على الصحابة ونعتهم بصفات لا تليق بهم والهجوم على القرآن وإنكار مصدره الإلهي و إنكار مبدأ الله وإنكار الغيب والدفاع عن الماركسية والعلمانية ونفي صفة الإلحاد عنهما ثم أخيراً الدفاع عن "سلمان رشدي" وروايته "آيات شيطانية" (ص 67) وعلى وفق ذلك فقد تمت المطالبة العلنية في كتيب وضعه أحد سدنة التكفير معتبراً فيه أن (د. نصر حامد أبو زيد) كافر يخرج عن الملة، وأن على كل مسلم غيور على دينه أن يرفع دعوى أو يشارك في أقامتها ضده لإيقافه عن التدريس، لأنه يدرس الكفر في قسم اللغة العربية وأن على طلابه أن يمتثلوا لأمر الله- الذي أناب عنه هذا (الكاتب) بعد قرون من انقطاع الوحي- فلا يجالسونه للعلم ولا للتلقي على يديه، وأن على كل مسلم (ابتلي) بجيرة (أبو زيد)، الطاعن في القرآن والسنة والصحابة وأئمة المسلمين، بجيرة في السكن والعمل أو السفر ألا يعامله بيعاً أو شراءً أخذاً أو عطاءً، وأن على زوجته أن تعلم أنه يُحرم عند جميع الفقهاء وبلا استثناء معاشرة الزوجة المسلمة لزوجها المرتد فإذا عاشرته بعد معرفة الحكم فهو زنا صراح، تعاقب عليه عقوبة الزاني المحصن، وأن على الدولة أن تطبق حق الردة عليه وعلى أمثاله وأن يستتابوا أولاً وألا قتلوا وأخذت أموالهم لبيت المال- الذي لا وجود له واقعاً إلا إذا كان المقصود فيه خزينة الدولة الحالية والتي هي أصلا ليست إسلامية حسب منطقهم بالذات!!- إذ لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر (ص235). لم تكن هذه الاتهامات وغيرها نتيجة الإطلاع الفاحص والدقيق لأفكار و نتاجات (د. نصر حامد أبو زيد) بل كانت جزءاً من مشروع التخلف والتشنج والتشويش والتخريف والهجمة الظلامية السائدة حالياً، إذ تم اقتطاع بعض النصوص والجمل والأفكار من سياقاتها و تقويل بعضها برؤى ومفاهيم متخلفة وسلفية وعدائية لأوليات وأصول البحث العلمي ونزاهة الضمير والتجرد عن الدوافع الشخصية، وتم توجيه هذه الطعون له عبر بحوثه وكتبه، وخاصة (نقد الخطاب الديني) و(دور الاتجاه العقلي للتفسير) و (مفهوم النص) و (الأمام الشافعي وتأسيس الأيدلوجية الوسطية) ولم يتم التفريق والعزل بين الدين وجوهره، والفكر الديني الذي هو صناعة بشرية تلعب فيها المصالح الخاصة دورها الرئيس في التأسيس واستنباط الأحكام وتكييفها عبر التاريخ عامة وفي العالم العربي- الإسلامي خاصة خدمةًًًُ لهذا الحاكم أو ذاك أو هذه السلطة أو تلك، لتبرير كل الجرائم والانتهاكات التي وقعت وتقع على الإنسان والمجتمع بسلطة الفقه المصنوع بشرياً و ارتباطاته بالمصالح الدنيوية للحكام و للفئات الحاكمة وتبرير كل الانتهاكات التي جرت وتجري عبر التأريخ الإنساني في الماضي والحاضر والمستقبل وخطابه-الفقه- الذي لا يكتسب من الدين قداسته ولا إطلاقه بل هو الاجتهادات البشرية المحكومة بالإمكانات والمنافع الخاصة والقدرات الإنسانية المحدودة زمكانيا وخلق حالة من التماثل أو التطابق بين الدين والفهم البشري له، وتحويل أي نقد للفهم البشري للدين ووضعه خارج توجهه الاجتماعي واعتبار هذا النقد موجهاً للدين ذاته، وتم التعامل مع نتاجات ( د.أبو زي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram