حبيب بولصليس بوسع المرء حينما يفكر بشخصيات من طراز حسين مروة, الا ان يجد نفسه أمام عوالم رحيبة خصيبة تحفزه بعمق وتواضع على التامل في أعقد المسائل الفكرية المنحدرة من التاريخ والتراث العربيين. (2) هذا أمر تتضح صحته حالما نتقصى السيرة الذاتية لحسين مروة باوجهها الفكرية والعلمية والتطبيقية. فهذه تشير بوضوح لا لبس فيه الى شخصية المفكر المناضل, والمناضل المفكر.
وحسين مروة شخصيته تأسرنا بجاذبيتها وعطفها وعقلها المتزن الواعي. شخصيته مسكونة بهموم شعبها, تطمح الى رفع الضيم عنه وزرع بذور اليقظة والتحرر في ربوعه. * هو من مواليد العقد الاول من القرن الماضي, اي انه شهد انتفاضة العالم العربي الفكرية والسياسية والثقافية. شهد معاناة شعبه كما شهد سعيه نحو الحرية والاستقلال. عاصر أزمنة القهر والقمع والظلم, كما عايش الانتفاضات والثورات والتفتح. عاش زمن الردة, كما عاش زمن الصعود, فكان لكل ذلك تأثير في مسيرته العلمية والثقافية والفكرية, نظرية وممارسة, وكانت حصيلة ذلك كله بناء فكرياً أدبياً تقدمياًَ شامخاً شاده حسين مروة مع أخوان له سلكوا مسلكه كرئيف خوري وعمر فاخوري ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس, فأتمّ هو المسلك وعمّقه وجذّره. عرفنا حسين مروة كاتباً سياسياً مناضلاً وأديباً مفكراً وإنساناً, ولا يمكن التفريق بين شخصية حسين مروة كأديب وكسياسي وكإنسان, فهو جمع ذلك كله. يلتقي فيه الكاتب السياسي بالأديب المفكر, بالإنسان في وحدة يحكمها الالتحام في حياته بين الفكرة والعمل, بين نشاطه المادي ونشاطه الروحي ومن هنا فان الكلام عن جانب واحد من جوانب هذه الشخصية الموسوعية, لا بد له ان يمس من قريب او من بعيد سائر الجوانب الأخرى في شخصيته المتكاملة. * في مجال النقد الأدبي كتب حسين مروة صفحة جديدة في تراثنا النقدي المعاصر, وقد تبلورت نظريته النقدية في كتابيه: "قضايا أدبية" و "دراسات نقدية", اللذين ناقش فيهما المستوى النظري والتطبيقي وكافة النقاط التي لا تزال تشغل جانباً مهماً من تفكيرنا في ما يتعلق بنظرية الأدب وأصول علم الجمال. الاول منهما كان حصيلة المعارك التي خاضها طوال الخمسينات مع اصحاب النزعات المثالية والرجعية في الأدب, مع أصحاب نظرية الفن للفن, ويغلب عليه الجانب النظري للمنهج الواقعي في فهم الأدب وتفسيره ونقده. والثاني هو متابعة وتعميق للمعركة الأدبية والايديولوجية نفسها في الجانب العملي التطبيقي لهذا المنهج, وذلك من خلال دراساته للعديد من الآثار الأدبية الإبداعية لشعراء وكتاب من لبنان ومن مختلف البلدان العربية *والمساءلة التي ترتفع, لماذا هذا الاهتمام بالنقد الأدبي؟ الإجابة عن السؤال يعطيها حسين مروة نفسه حيث يقول: من الظاهرات الملحوظة في حياتنا الأدبية في لبنان, غياب وجه النقد عنها حتى وقتنا هذا ويتابع مفصّلاً: لا أعني بذلك ان ليس للنقد وجود في حركة النشاط الأدبي عندنا, او ان وجوده لا يستوي مع سائر ظاهرات النشاط هذا... بل ما أعنيه هو النقد المنهجي. ويقصد بقوله: النقد المنهجي هو ما يكون مؤسّساً على نظرية نقدية تعتمد أصولاً معينة في فهم الأدب, وفي اكتشاف القيم الجمالية والنفسية والفكرية والاجتماعية في العمل الأدبي. واعتماد هذه الأصول يقتضي من الناقد ان يتجهز كذلك بقدر من المعرفة تتصل بشؤون النفس الإنسانية وقوانين تطور المجتمع وطبيعة العلاقة بين هذه وتلك, وفهم الشخصية الإنسانية في ضوء هذه المعرفة بالإضافة الى الإلمام-ضرورة- بأهم قضايا العصر التي تساعد معرفتها الناقد على تحديد موقف العمل الأدبي تجاه القضايا فكرية كانت أم اجتماعية أم فنية. وبديهي ان يكون في جملة الفصول التي تعتمدها المنهجية النقدية ثقافة وافرة راسخة تمكن الناقد من البصر بالخصائص التعبيرية بلغة الأدب وبالعلاقات الرمزية القائمة بين الكلمة ومعناها او بين العبارة ومضمونها. *ولكن سؤالاً آخر يرتفع، أليست هناك خطورة في إتباع منهج نقدي محدد؟ بمعنى ألا يؤدي التزام المنهجية في النقد الأدبي إلى نوع من الميكانيكية في عمل الناقد؟ أي أن الناقد الملتزم نهجاً معيناً لا بد أن يُخضع كل عمل فني أدبي ينقده إلى مقاييس ثابتة جامدة يرسمها له المنهج الذي يلتزمه، بحيث يقول في هذا العمل الأدبي ما يقوله في ذاك، بصور من التكرار الآلي الرّتيب فيتجمد النقد بذلك، وتتجمد شخصية الناقد وتتعطل عنده حساسية التذوق الجمالي، وعندئذ تنشلّ حركة النقد الوظيفية وتنتفي منه الفائدة والغاية؟. * عن هذا السؤال النابع من خطورة المنهجية في النقد يجيب "حسين مروة"، قائلاً: الواقع ان مثل هذه الخطورة نابع من فهم خاطئ للمنهجية. فأول ما ينبغي ان يكون واضحاً من أمر المنهجية النقدية انها لا تستحق هذه الصفة، إذا هي قامت على أسس او على مقاييس ثابتة ثبوت جمود او تحجّر. وانما تستحقها – أي صفة المنهجية - حين تكون الأسس والمقاييس هذه ثابتة من حيث الجوهر، متحركة متطورة متجددة متنوعة من حيث التطبيق ومراعاة الخصائص الذاتية القائمة في كل خلق بخصوصه، الى جانب الخصائص العامة المكتسبة من قوانين الحركة الشاملة المرافقة لكل عمل أدبي ذي قيمة فنية ما. من هنا يحتاج الناقد الأدبي المنهجي الى توفّر الحساسية الذاتية القادرة على اكتشاف القيم الخاصة في كل أثر أدب
حسين مروة.. مؤسّس مدرسة النقد الواقعي الاشتراكي في العالم العربي
نشر في: 22 يناير, 2010: 07:46 م