وارد بدر السالمبلا تسميات مباشرة نقول أن الواقع السياسي العراقي الجديد أفرز نمطين من الساسة بمختلف توجهاتهم وأفكارهم وتحزباتهم. فالمفسدون والمصلحون يفترعان الساحة السياسية على مد البصر وكما أثبتته السنوات الأربع الماضيات من عمر الدورة البرلمانية؛ أما كيف نوزع الأدوار على هذين النمطين فهذا الموضوع لا يحتاج الى عناء كبير
ولا نظن أن أي عراقي رافق هذه الدورة بكل سلبياتها وايجابياتها غير قادر على الفرز الصحيح لأسماء وجبهات وتكتلات وعصابات سياسية أودت بالبلاد الى مشاكل كبيرة بعضها لا يزال مستعصياً، ينتظر إطلالة الدورة الجديدة، فربما تسعف بعضاً من الحال لو توفرت فيها قيادات وطنية حقيقية، لا ترتبط بغير العراق أرضاً وتاريخا وحاضراً ومستقبلاً.. العراقيون يعرفون كفة المفسدين وما هو ثقلها، كما يعرفون كفة المصلحين وإن ظلت خفيفة حتى اليوم. وبين هذا وذاك ظل الشعب العراقي يتعامل مع واقع الحال على أنه ليس هو الواقع الأخير.أو واقع الطموح الذي يصبو إليه بعد التخلص من ربقة نظام الطاغية وما آل اليه الحال عبر عقود طويلة من الكوابيس. وبين المفسدين في العراق والمصلحين منه، على قلتهم، لم تتوقف عجلة الحياة، ولم يمت العراقيون موتاً جماعياً، ولم تخلُ الأرض من سمات القوة والثبات؛ لكن من كان يعتقد أن كرسي السلطة يظل لصيقاً به الى عمرٍ طويل فهو على وهم، فحركية الحياة الجديدة لا تنبني على ثوابت ضعيفة ولا إيديولوجيات هوائية ولا أكاذيب راسخة. كل شيء يتغير وينمو باتجاه الصواب والتصحيح والقفز على المراحل الميتة. وصولاً الى رؤى أخرى تستشرف الحياة العراقية من منظورها الوطني الثابت، ذلك المنظور الذي يرى في الوطن كتلة واحدة ولوناً واحداً وفضاء أزرق لا يصطبغ بألوان الطيف الشمسي المختلطة. المفسدون في أرض العراق ربما تجاوزوا الواقع الى حد بعيد، فضعف الدولة العراقية في بداية تشكلها بعد السقوط قد خلقت فراغات كثيرة وثغرات قاتلة، وحينما نرى أن هناك تحسناً ملموساً طرأ في السنتين الأخيرتين وهو واقع لا مفر من التغافل عنه، نرى بالمقابل أن عدسة الوطن قد انجلى عنها شىء غير قليل من سنوات الحطام الأولى، وهذا يعني أن العراقيين الذين استفاقوا جزئياً من صدمات متتالية، أبصروا الكثير مما يجب أن يبصروه وأولهم المفسدين في ارض الوطن مهما كانت مناصبهم والوانهم وموديلات ثيابهم الفضائية والأرضية، فلم يتبخر الشعب العراقي بعد ولم تهد كيانه زلازل الطبيعة الغادرة، مع أن من غدره لا يزال محاصراً هنا وهناك في المناطق المحصنة. علينا أن نفهم أن ثنائية المفسد والمصلح أزلية في حياة الشعوب، فإن كانت الأنظمة الديكتاتورية التي يشيع فيها نظام العسكرتاريا قاسية وصارمة في تبنيها فكرة الظلم وإحكام الأطواق على حياة الشعوب، فإن الأنظمة البديلة التي يشيع فيها نظام الديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وتؤسس دستورها العادل من واقع المجتمع، تخلق نظامها الاجتماعي والإنساني بشكل تلقائي، وتقل فيها درجات الفساد والمفسدين أو تتلاشى الى حد بعيد. هذا نظام عام في العالم الديموقراطي المتحضر الذي قطع أشواطاً بعيداً في الحياة المدنية الحقيقية، أما لدينا فيبدو العكس، حيث الفساد الإداري والمالي وضع وطننا في مقدمة دول العالم التي تتعاطى هذا الواقع ولكن بديموقراطية حداثية جداً، قوامها اللصوصية والقتل والضحك على الذقون.. وبطبيعة الحال هذا ليس تعميماً على التجربة، فلقد أشرنا الى نمط سياسي آخر يقف بالنقيض من هذا وهو نمط المصلحين الذين سحقهم دهماء السياسة وغوغاء الشعارات، لكنهم ينهضون من هذا الركام بالتقطير البطيء، وكلما انكشفت الغيوم عن هذا الواقع يتراجع المفسدون في ارض السواد.
توقيع: المفسدون في العراق
نشر في: 23 يناير, 2010: 05:17 م