كتب المرحوم عبد الغفور البدري عام 1937 يصف فيه رفيقه في النضال علي محمود الشيخ علي يقول: "ما تزحزح عن عقيدته: ولا انثنى عن مبدئه، جموح ، طموح ، ابي صادق العزيمة ، ماضي الهمة، قلم مرهف كالسيف الصقيل، وعقل نير كالفرقد الساري، وقلب طاهر كالافق المشرق بالنور، وضمير حي بالشعور وعامر بالاخلاص.."
*وبالفعل كان علي محمود الشيخ على الذي تمر ذكرى رحيله هذه الايام كما وصفه البدري، فنظرة سريعة على سيرته تكشف بسهولة عن موهبة نادرة المثال في العهد السابق، كما ان المؤلفات الحديثة ومذكراته التي نشرت كاملة في العام المنصرم، قد وضحت كثيراً ما غمض من تاريخه السياسي ونحن اذ نتفق مع وصف البدري لرفيقه، فهذا لا يعني اننا لا نرى بعض الغموض في موقفه السياسي في الخمسينيات وعودته (الدرامية) الى المعترك السياسي، وفي هذه السطور بعض اللمحات من سيرة هذه الشخصية البغدادية العصامية. rnاجتماع سينما رويال *علي محمود الشيخ علي من مواليد الكرخ (محلة سوق الجديد) عام 1901 وتدرج في دراسته حتى حصل على شهادة الحقوق عام 1923، فمارس مهنة المحاماة والعراق يعج بحوادث سياسية مثيرة بعد تتويج الملك فيصل وتأسيس المجلس التأسيسي، فقد كانت المعاهدة العراقية –البريطانية وملاحقها هي القضية التي تشغل بال الحركة السياسية حينذاك ، وكان علي محمود احد الوجوه الشابة التي تعتمد عليها الحركة الوطنية، لاندفاعه بكل الوسائل المتاحة لاحباط مشروع المعاهدة ، من عقد الاجتماعات والقيام بالتظاهرات وتأليف الاحزاب وتقديم المذكرات ، فضلاً عن نشر المقالات السياسية النارية. *وفي 18 نيسان عام 1924 اقام المحامون الوطنيون (وعلى رأسهم علي محمود وداود السعدي) اجتماعا حاشداً في صالة سينما (رويال) حضره جمع كبير من اهالي بغداد، واتفقوا فيه على رفض مشروع المعاهدة الجديدة، والذي كتب بيان الرفض هو على محمود باسلوبه المعروف بإيراد الحجة الدامغة والتسلسل الواضح غير ان بعض العيارات النارية اطلقت في نهاية الاجتماع، يقال ان الذي اطلقها كان عبد الله سرية أو شاكر القره غولي وهذا ما جعل السلطة تتخذ إجراءات مبيتة ضد القائمين بالاجتماع فاعتقلت علي محمود وداود السعدي وعوني النقشلي وقاسم العلوي ورشيد شكري وغيرهم وقامت بتحقيق واسع ادى الى اطلاق سراح جميع الموقوفين عدا علي محمود الذي بقي حتى افرجت عنه المحكمة لعدم توفرالادلة ضده. *في عام 1930 كان الحزب الوطني هو الممثل عن الحركة الوطنية وتطلعها نحو استقلال العراق وانهاء الوجود الاستعماري فيه، وقد الف نوري السعيد وزارته الشهيرة بعقدها معاهدة عام 1930 التي رفضها الشعب جملة وتفصيلا وقد استقال السعيد بعد ان انجز ما كلف به، واعقبه ناجي شوكت الذي بدأ منذ اول وهلة بحل المجلس النيابي، والبدء بانتخابات جديدة وعقدت قيادة الحزب الوطني اجتماعات عديدة لتحديد موقف الحزب من الانتخابات النيابية الجديدة، فبرزت داخل صفوف الحزب عدة اتجاهات بين الرفض والقبول، وقد تزعم المرحوم علي محمود الرأي الذي يذهب الى تأييد وزارة ناجي شوكت والاشتراك بالانتخابات غير ان الهيئة الادارية للحزب الوطني قررت في نهاية اجتماعاتها رفض التعاون مع الوزارة ومقاطعة انتخاباتها واصدرت بيانا ، جاء فيه:"لما كان الحزب الوطني معارضاً لمعاهدة 1930 فقد قرر باجماع الاراء ان يقف ازاءها موقف المعارض". *وقد وردت كلمة (ازاءها) في جريدة العالم العربي، بينما وردت عبارة ازاء هذه الوزارةن في جريدة الاستقلال وقد ذكر ان محمود رامز عضو الهيئة الادارية اخبر رئيس الحزب جعفر (ابو التمن) ان الناس فسروا كلمة (ازاءها) على انها تعود للمعاهدة ، فدعيت قيادة الحزب للنظر بالطلب المقدم من رامز واتخذت قراراً بتبديلها الى عبارة (ازاء هذه الوزارة) ووقع الجميع على القرار عدا علي محمود الشيخ على الذي ارسل كتابا الى ابي التمن يعلن فيه استقالته وتبعه في ذلك عبد الغفور البدري، وسعيد الحاج ثابت. واشترك الثلاثة بالانتخابات النيابية وفازوا بها حيث اصبح علي محمود نائبا عن الكوت، بالرغم من تحفظات الملك فيصل على اساس ان بريطانيا قد لاترضى عليه كما يذكر المرحوم محمد مهدي كبه في مذكراته. (54). *بعد ان اعلن وفاة ياسين الهاشمي بعد الانقلاب العسكري الذي اطاح بوزارته عام 1936 ، اتفقت المجموعة (القومية) المناوئة لحكومة حكمت سليمان التي جاء بها الانقلاب على تبديل تفكيرها باستعمال القوة لاسقاط النظام، فعقدت اجتماعاً في دار المرحوم محمد زكي وتقرر فيه ضرورة كسب بكر صدقي (الذي قاد الانقلاب العسكري). وحكمت سليمان (رئيس الوزراء) واودعت مهمة الاتصال ببكر الى علي محمود والى محمد علي محمود الاتصال بحكمت، وقد نجح علي محمود في مهمته كما يقول في مذكراته، واتفق مع بكر علي ان يسير الاخير سيراً يتفق مع الاهداف القومية وتطلعات الجامعة التي اوكلت الى علي محمود ذلك، الا ان مصرع بكر صدقي وهو في طريقه الى تركيا، جعل الامور تتجه اتجاها اخر فقد انشق العسكريون الى كتلتين حول معاقبة القائمين بقتل بكروقد حاول علي محمود بصفته وزير العدل ووكيل وزير الدفاع اصلاح ذات البين بكل الوسائل ويذكر المرحوم طالب مشتاق في كتابه (ايام النكبة) وهو م
مواقف علي محمود الشيخ علي عبر السنين
نشر في: 24 يناير, 2010: 05:25 م