علي حسن الفوازلاأعرف كيف يفلسف البعض مفهوم صناعة الدولة المدنية، شروطها وفاعلية حضورها ومستقبلها، ويضعنا امام سياق غائم لهذه الدولة، مقابل الحديث عن رغبة البعض في استعادة هيمنة الشكل القديم للدولة الانقلابية او الثورية او السلالية،
اذ يدفعنا هذا الحديث نحو مواجهات فيها الكثير من الاستعراضية والحنين المرضي، مثلما فيها الكثير من الالتباس حول توصيف الدولة واهمية الحاجة اليها لضمان التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحماية المجتمع والجماعات من الانقراض. ان الحديث عن منظور شكلاني واشكالي يعني البقاء عند حافة الاسئلة، وعند اضطراب هذا المفهوم عند النخب السياسية ذاتها وعند مريدي هذه النخب ايضا، حيث ان افتراض هذا الاضطراب يعني وجود الكثير من التعقيدات والموانع، تلك التي تدفع نحو المزيد من الصراعات والتقاطعات ونحو العديد من صيغ الالتباس والريبة واللاوثوقية، حتى نبدو وكأننا امام لعنة اسمها الدولة المدنية الغائبة، والتي تحولت في سياق هذه الصراعات والتجاذبات الى نوع من (اليوتوبيا) التي اريقت من اجلها الدماء!! وجاءت سعيا وراء ولادتها القيصيرية جيوش الامبراطورية الامريكية وتوابعها، والتي يخشى من ولادتها الفضاء العربي السياسي المزدحم بالديكتاتوريات، رغم ادعاء بعض عناوينه وجنرالاته بان النموذج العراقي لايشكل خطرا عليهم، رغم ان هذا النموذج هو الهاجس السري لانهيار نظام المركزيات المستبدة في العقل السياسي والعقل السلطوي. اعرف ان البعض يائس جدا من صيرورة الدولة المدنية، اذ لم نرث جميعا تقاليدها للاسف ولم نتعرف عليها!! بحكم ازمة تاريخنا السياسي في الحاكميات وطبيعية المقدس السلطوي الذي فرض اشكاله وسط تاريخ مقابل من الجهل والتخلف والعطالات النوعية، وربما بحكم طبيعة عقلنا العسكرتاري الانقلابي المعاصر منذ بداية ثوراتنا الوطنية، والذي لايؤمن بفكرة التداول السلمي للسلطة. فضلا عن اننا وتحت هذه الواجهات وتراكم ازماتها لا نملك لها اية جينالوجيا في معرفة سلالات وتواريخ الدولة العربية /الاسلامية ذات المزاج الشمولي والعصابي. واعرف ايضا أن مرجعيات التعاطي مع تاريخ هذه الدولة هي (ثقافوية) اكثر من كونها ذات طبيعة اجرائية، وان نفورها نافرة عن السياق يجعلها ذات طبيعة(متوحشة) اكثر مما هي مأنوسة ومندمجة فيه، لكن بالمقابل فان هذا البعض ليس بريئا تماما في النظر الى هذه الزاوية، وليس هو صاحب استبصارات معرفية ليكشف لناعن سوء درايته بالكيفية التي تتشكل بها الدولة المعاصرة، دولة المؤسسات والنظم والتعددية والحقوق، وكيفية التعاطي معها كمنظومة (حداثوية) تحمل معها شفرات التغاير والتعدد والروح العميقة للحرية، تلك التي تتعايش فيها المكونات والتجمعات البشرية والثقافية والقومية والاثنية دون حساسيات ودون عمليات طرد منهجي لاي منها، مقابل انها تفترض ايجاد ضرورات لازمة لتنظيم وتأطير فعاليات النضال الاجتماعي والسياسي والثقافي من اجلها وبشكل سلمي مدني يكرس مبادىء المعارضات السليمة، وليست المعارضات العنفية التي مازالت للاسف تمارس لعبة رفع الرايات، والتماهي مع تاريخ السلطة القديمة. لذا يقف هذا البعض وبنوع من الصخب واستعراض القوة طبعا امام لعبة الدولة القوية، الدولة الطاردة، الدولة التي تعكسر ماحولها وتحارب ماحولها، وربما ثمة من يستعيد في ذات السياق مرجعيات غريبة لتاريخ الدولة العراقية بدءا من الدولة الوطنية الاولى والتي انشئت عام 1921 و المصنوعة وفق القياسات الانكليزية !!مرورا بطبيعة تشكلات الدولة الانقلابية بمزاجها العسكري والدولة الشمولية /الايديولوجية، تلك التي صنعت لنا(فرقة ناجية) تملك كل شيء، مثلما صنعت لنا اشكالا معقدة من ايديولوجيا الاستبداد، وانتهاء بالدولة المحتلة التي تبحث عن هوية وحلول لازماتها، وازمات صراعاتها المسكونة احيانا ب(اشباح) السلطة المهيمنة وسط متاهات من التعقيد والتنظير والتجنيس، والتي تحلم بالمقابل بغواية العمل ضمن الهامش الواسع للتحولات بعد 2003، لكن في اطار تشويه انتاج الدولة الوطنية الخالية من اعراض العسكرتاريا والشمولية، من خلال طبائع المشاريع السياسية الغامضة وامراض الانوية والنكوصية التي تحلم ببطولة الشيخ الذي يتوهم ان يستعيد صباه دائما. الدولة الجديدة رغم كل ما يحوطها تبقى طموحا للكثيرين الذين يفكرون بامتياز مايمكن توفره هذه الدولة من تحولات مدنية وانسانية، ومن تصدعات عميقة الاثر في تاريخ الاستبداد الطويل، تلك الدولة التي لها خصائص وطبائع المشروع الديمقراطي التنويري حتى وان كان داخل مؤسسات تقليدية(دينية او قومية او شعبية) والتي يمكن ان تضع(صناعة)هذه الدولة والدفاع عنها على رأس الاوليات، لان مستقبل هذه الدولة هو الضمانة الحامية لهذه القوى الجديدة المستلبة من التاريخ والحاكميات القديمة، التي ستكون اعراض وتوجهات الليبرالية رغم كل الحساسيات ازاءها هي المسار الحاضن للتحولات الديمقراطية للدولة، وهي الاطار السياسي الكافل لمشاركات حية وحقيقية من قبل كل مكونات الشعب العراقي، التي يمكن ان تتبنى دون تعقيد منتجات هذه الخطابات التي تتبلور حول الحرية للفرد والمجتمع والجماعات، والتي
ما قبل الدولة، مابعد الدولة
نشر في: 24 يناير, 2010: 06:00 م