اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > هل يُستطاع الحديث منذ اللحظة عن قيمة البياتي الشعرية؟

هل يُستطاع الحديث منذ اللحظة عن قيمة البياتي الشعرية؟

نشر في: 27 يناير, 2010: 04:56 م

شاكر لـعـيـبـي          لا الهجاء قليل البصيرة ولا المديح الـمُتفلت من قيود المنطق بقادرين على فهم عمل الشاعر الكبير. سيظل البياتي عصياً علي استقطاب التفكير أحادي الجانب. سوى أنه سيظل لوقت طويل مناسبة خصبة لحوار نقدي ذي شجون بشأن قضية الشعر ووضعية الشاعر كليهما.
إن اندماج حياته، بتفصيلاتها الأجمل والأنقى، بتلك التفصيلات الأكثر إقلاقاً للحس السليم، واختلاط الحقيقي والحميمي فيها بـما هو مـُتخـيـَّلٌ ومُـمَسْرحٌ، بل اختلاط الحقيقة بغير الحقيقة في مسيرته الشخصية يجعل من هذا الشاعر الكبير مثالاً عن الكيفية التي ينطبع فيها عمل الشاعر بالمشكلات المخصوصة لمجتمعات مثل المجتمع العراقي والعربي عامة. في العالم العربي، فأن واحدة من خصائص القرن العشرين وهو الخلفية التاريخية للبياتي ومجايليه، كانت صعود الهم السياسي عن جدارة وإشغاله الحيز الأكبر من اهتمامات المثقفين والمتعلمين والمهتمين، قليلاً أو كثيراً، بشؤون العالم وقضايا أوطانهم الكبرى. يتبقى هذا الهمّ إذن السبب الأول لمجد شعراء من طراز الجواهري - ربما آخر عملاق في الشعر التقليدي- والبياتي أول طلائع الشعر الحديث. هذه الحقيقة ليست على الدوام لصالح الشعر الصافي، الشعر المتأمل الذي يخوض في مياه أقل ضجيجاً. إن قراءة متأنية لشعر عبد الوهاب البياتي سوف تدل القارئ على أن العميق في شعر البياتي، ذاك الشعر الذي سنبقى نعاود قوله لأنه يمسُّ عصباً خفياً في أرواحنا، لا يشكـِّل الجزء الأعظم، كمياً، من شعره. لنقل إن البياتي قد كوَّن لنفسه منذ البدء لغة شخصية تتميز بالوضوح والإشراق وتنطوي على أسلوب مباشر قليلاً يستند الى موضوعات أساسية (الموت، الحب، الإنسان، الثورة، الماضي...على سبيل المثال) كانت دائما الشغل الشاغل لكبار الشعراء في العالم. ثم أنه قد انصرف، أو أن حاجات مجتمعنا الملحاحة قد صرفته، إلى أن يلبس، وبشكل ثابت، قناع المناضل اليساري. يا لخسارة الشعر. هذا القناع يشكـِّل، في تقديرنا، (العقدة) الكبيرة في شعرية البياتي وفي مجمل تاريخه الشعري والشخصي. سنقول عن هذا الموضوع كلمة أخرى بعد حين.  سوى أن لغة محددة المفردات وقاموساً شعرياً شخصياً ثابتاً ينطويان على رهان صعب للغاية، ذلك أنهما سيظلان يراوحان في مكانيهما غير قادرين على تعميق مجمل القاموس الشعري للقصيدة العربية.  ليس بمحض المصادفة أن لا نجد إلا مقلـِّدين معدودين للغة البياتي الشعرية على طول وعرض العالم العربي، ثم إنهما غير قادرين على تطوير رؤية الشاعر نفسه إذا ما افترضنا علاقة تأثير متبادل بين الشاعر وأدواته : هو يؤثر فيها ويخلقها بينما هي بدورها تؤثر فيه وتخلقه بمعنى من المعاني. لهذا السبب فإن البياتي لم يكن شاعراً خوَّاضاً في تلك التجريبية الضرورية، حتى بحدودها الدنيا، لكل شاعر. إن شاعراً كبيرا مثل سعدي يوسف منطوٍ، مثل البياتي، على كارثة الهم السياسي ذاتها وفي السياقات الدرامية العراقية، بدا للحظات وهو يقدم قصائد تجريبية عن جدارة في مجموعته (الأخضر بن يوسف ومشاغله) وفي قصائد قليلة أخرى خاصة قصيدته (إعلان سياحي عن حاج عمران). هكذا يبدو أن القيمة الفعلية لشعر البياتي مستلهمة من مصادر غير شعرية في غالبيتها. لقد جرى التعكز على هموم فقراء (القارات) – القارات تلك المفردة التي يحبها البياتي- وجرى الانغمار (بعمود) بلاغي جديد صارم لا يقود بالضرورة إلى الحقل الشعري المقلق والسريِّ. لقد أثبت التاريخ الأدبي في المنطقة العربية أن السياسة، وقبلها مؤسسة الخلافة، لم تستطع أن تختلق شاعراً كبيراً مثلما لم تعصم العودة إلى النماذج المألوفة المعروفة في الشعر من البقاء في مكان شعري ضيق لا روح فيه. إن قاموس البياتي الذي لم يتغير إلا قليلاً طوال أكثر من نصف قرن قد أدى، في نهاية المطاف، إلى نص ذي نسق واحد ونظام داخلي يعاني من ثبات ليس من طبيعة الشعر ولا من طبائع الشاعر الطليق خلاق الأشكال واللاعب على الكلام من أجل المعنى الأعمق. لا يحب البياتي اللعب على الكلام. نكاد نقول أن شعر البياتي ملقيٌ في عموميات عريضة عن الإنسان، بمعنى أننا لا نلتقي بأثر بارز (للتجربة الشخصية) الفردية، المخصوصة وبالتالي المؤثرة بعمق في قرّائها. إن (تجربة العمومي) تنفي كما يبدو الشعر نفسه الذي هو في جوهره (تجربةٌ للخاص)، الخاص إلى درجة أن خصوصيته لا يمكن التعبير عنها إلا بلغة الاستعارة التي تبدو وكأنها الوحيدة القادرة على قول المتفرد في حياةِ إنسانٍ، فردٍ، شاعرٍ، وليس بالضرورة تعبيراً عن حاجات وإجماع الأمة. لو أخذنا أدونيس كمثال من الطرف الآخر لرأينا أنه ينطلق بشكل أساسي من (تجربة الخاص) هذه ويتعمق فيها إلى درجة أن شعره كان يتهم غالباً بالفردانية، كما لو أنه مطالبٌ أن يكون الناطق الرسمي باسم الجماعة. واحد من نقاط الخلاف مع أدونيس، كما قيلت مراراً، تقع في عدم (التزامه) بالسائد العام. وفي حين أن أدونيس كان مطالبا بأن يكون المتكلـِّم باسم المجتمع كان البياتي يفعل. مما عمَّق إحساس بعض القراء بحضور تجربة العمومي الموصوفة هنا هو نبذ البياتي، لوقت طويل، أي عمل شعري أخر غير عمله. ليس من باب الطرفة أن لا يعترف البياتي، إلا على مضض، بتجا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram