سعد محمد رحيم هناك سوء فهم يؤسف له، عند كثر من الناس في مجتمعنا، لدور الإعلام (ولاسيما المكتوب منه)، ووظيفته، والآليات التي يعمل بموجبها. والغريب أننا نلمس سوء الفهم ذاك، عند بعض من المنتمين إلى من نسميهم بالنخب المتعلمة والمثقفة. والأغرب أن يكون بعض العاملين في المؤسسات الإعلامية من الداخلين في ضمن هذا التوصيف.
يقف أحدهم عند كشك بيع الصحف والمجلات ويشير إلى العنوانات الظاهرة أمامه ويقول بثقة؛ هذه الجرائد كلها كاذبة. من غير أن يكون قرأ أي شيء منها، أو من متونها. ويتملكك العجب حين ترى الشخص نفسه، يمد يده، بعد إصداره حكمه القاطع، يلتقط إحدى الصحف.. يدفع ثمنها ويبتعد معلِّقاً؛ ماذا نفعل، لابد من أن نقرأ شيئاً.. وماذا نقول عن شخص آخر يعمل في مؤسسة إعلامية ويؤكد لك أنه مسوِّق أكاذيب؟!. في البلدان التي تعيش في ظل أنظمة شمولية تكون المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الحكومية عاملة في نطاق المنظومة ذاتها.. وما تُنشر في الصحف من أخبار يكون مصدرها المؤسسة الحكومية. وغالباً ما تفتقر تلك الأخبار للدقة والمصداقية والموضوعية. وأعتقد أن تجربة الناس وخبرتهم مع صحف النظام السابق تقف، إلى حد بعيد، وراء سوء الفهم ذاك الذي ذكرناه. طبعاً هذا لا يعني أن ما ينشر اليوم في الصحف من أخبار وتقارير وتصريحات هي جميعاً صادقة. ولكن يجب أن نكون واعين للفرق بين خبر تختلقه صحيفة ما، وهو كاذب، لغرض ما (للترويج وزيادة معدلات التوزيع، أو للنيل من جهة ما، أو لأن الصحيفة، ببساطة، قبضت الثمن عنها). وبين خبر كاذب نقلته صحيفة أخرى من مصدر مخوّل في مؤسسة معينة. في هذه الحالة لا تكون الصحيفة هي الكاذبة أو غير الدقيقة بل المصدر المخوّل بالتصريح. فالصحف لديها مراسليها في مواقع الحدث اليومي، وهم الذين يتصلون بالجهات المعنية بالحدث ليحصلوا على المعلومات وينقلونها من ثم لقرائهم. وقد يكون المصدر غير دقيق أو كاذب وبالتالي لن تكون الصحيفة مسؤولة عن كذب المصدر أو عدم دقته. ونحن، لابد من أن نفرّق أولاً بين المؤسسات الإعلامية المستقلة المحترفة، وتلك التابعة لجهة ما (حكومة، مؤسسة، حزب، تيار سياسي، منظمة مجتمع مدني، الخ). والأخيرة قد تنقل أخباراً تخصها، ووعوداً تقطعها للناس، لغايات معينة (للحصول على أصوات الناخبين، في سبيل المثال)، نكتشف لاحقاً أنها مبالغ بها، أو محض أكاذيب. لوسائط الإعلام، ومنها المكتوبة، والتي تحترم قراءها، أخلاقياتها وتقاليدها. وهذا النمط يتحاشى ما هو زائف ومفتعل وكاذب. على عكس تلك التي تفتقر إلى التقاليد المرعية والأخلاقيات المتفق عليها. والتي غالباً ما نجد أن من يديرونها هم من الطارئين على الصحافة والإعلام. وهم الذين لا يفكرون إلاّ بمصالحهم أو مصالح الفئات التي يمثلونها. وتكون لهم أجنداتهم الخاصة البعيدة عن روح وقواعد العمل الصحافي والإعلامي. نعلم أنه لا يكفي الالتزام بالقواعد والقيم الأخلاقية وحدها، لإخراج صحيفة جيدة صادقة. فلابد من توفر الكفاءة والخبرة الاحترافية عند العاملين فيها لتجنب الوقوع في المصائد المنصوبة، من قبل مَن في نفوسهم غَرَض، من المخادعين والكذابين ومروجي الشائعات الذين يرمون، من طريق التمويه، إلى نشر أخبار وتقارير عبر وسائط الإعلام، يتبين فيما بعد أنها كاذبة.
وقفة: أيُّ الجرائد تكذب؟
نشر في: 27 يناير, 2010: 05:24 م