اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > مجتمع الجريمة

مجتمع الجريمة

نشر في: 27 يناير, 2010: 05:52 م

وارد بدر السالم يفترق العنوان عن المتن كلما استنتجنا أن المجتمع العراقي ليس مجتمع جريمة تاريخياً، لكنه أيضاً ليس مجتمعاً مثالياً خالياً من الجريمة على مر تقلباته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبعيداً عن لغة الإحصاء والأرقام والبيانات نقول أن معدلات الجريمة في العراق سجلت تزايداً ملحوظاً في السنوات الأخيرة؛ ما بعد 2003
 وهي امتداد لسنوات الجريمة التي شهدتها تسعينيات الحصار في زمن النظام الصدامي، التي فتحت باب القتل المجاني والخروج على القانون وسلوك المسالك اللاأخلاقية طرقاً مخيفة كانت جديدة على المجتمع المحاصَر والذي كان ينوء بأعباء اجتماعية واقتصادية لا حصر لها آنذاك. يتكرر الأمر الآن ولكن بطريقة أكثر بشاعة وفلتاناً اجتماعياً، إذ تسجل مراكز الشرطة يومياً جرائم مختلفة بعضها يفوق الخيال لوحشيته وقسوته، كأنما الإشارة هنا إلى انفلات منظومة اجتماعية كانت تخفي تحتها حقداً دفيناً ومركباً على الواقع باشتقاقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فإذا كانت تسعينيات القرن الماضي التي يفترعها الفقر والعوز والحاجة المادية وتقابلها سلطة صارمة وقوانين نافذة، شهدت جرائم قتل مختلفة، فإن الواقع الجديد كشف عن وجوه أخرى لا تقل بشاعة عن تلك المرحلة الصارمة، بل تتخطاها بمراحل ضوئية حتى بوجود دولة القانون والمتابعات الميدانية من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية الساندة الأخرى، فالجريمة العراقية في هذا الوقت المتحول الى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان أفرزت شكلاً جديداً لها، بتعدد مسالكها ونياتها ونوافذها الداخلية والخارجية؛ هذه التعددية الجُرمية تسبب بها غياب الأمن وفقدان الأمان وانتشار العصابات المحلية وشيوع المخدرات على أنواعها التي وفدت من بعض دول الجوار، وإنشاء ميليشيات قتل منظمة، كما أن انتشار العاطلين عن العمل كشف عن قطاعات شبابية كبيرة جداً فقدت الثقة بالمؤسسات الرسمية؛ إضافة الى فقدان الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية لدى قطاعات واسعة من الشباب، ممن استسهلوا الحياة وتعاملوا معها على طريقة الانفلات غير المسؤول، تضاف الى ذلك مجانية التعامل مع القتل بوصفه أقصر الطرق الى كل شيء!! هذه بعض إرهاصات مجتمع وجد أنه محاط بالكثير من العُقد اليومية، وأكبرها العقدة السياسية التي وضعت الجميع في مفترق طرق ما بين المذهبية والحزبية الشعاراتية والثأرية التي خلطت أوراق المواطنين بطريقة بشعة، كادت تتسبب بحروب داخلية ليست لها مسميات محددة، بقدر ما هي تغطية شاملة على تجاذبات سياسية فاشلة وتخطيط اقتصادي سيىء،أربكت الواقع الاجتماعي وفتحت أمامه، بقصد أو من دون قصد، المزيد من الاحتقانات اليومية، التي اخذت تتضاعف بغياب سلطة حقيقية قادرة على احتواء المجتمع والركون الى حاجاته ومتطلباته الإنسانية الكثيرة..ما أوجد فراغات اجتماعية خطيرة نفذ وينفذ منها الصغار والكبار ممن فقدوا الضمير الاجتماعي والأخلاقي والوطني، إضافة الى إرهاصات نفسية معقدة تفاقمت مع السنوات الماضية ومركباتها السياسية الفاشلة بطائفيتها، وطّنت بذور الجريمة في النفوس والضمائر على أجيال ناشئة تفتحت عيونها على مرأى الدم والقتل المجاني والإرهاب والرعب والخوف وفقدان الإحساس بالأمان؛ ما ساعد على تبرعم الجريمة بشكل سريع ونموها على أسس انفلات اخلاقي وتربوي بدرجته الأولى، قبل أن يكون وطنياً في أساسه؛ لذلك نرى حجم الجريمة يكبر كلما ظل الأمن غائباً لا يحمي المواطن في حاضره ومستقبله بعد إن صار الماضي بحكم الغائب.. مجتمع الجريمة العراقي الجديد علامة خطيرة تعرقل حياة شعب وجد ضالته؛ هكذا؛ في الحياة السياسية الجديدة، لكنه أخذ ينكفىء تدريجياً ويستسلم الى رغباته المبيّتة في محاولة الاقتصاص من الواقع والثأر من ماضٍ بطريقة غوغائية خارجة عن إطار القانون وقيم الفروسية الاجتماعية المعروفة عن الشعب العراقي..ويقيناً فهذا الشعب الحزين لا يندرج بجملته تحت هذا التوصيف المر، لكن موضوعة الجريمة بتفريعاتها المختلفة، من سلبٍ ونهبٍ ولصوصية وقتل وتعاطي المخدرات وبطالة وفقدان الأمن وغيرها؛ هي ما تقلقه وتقلق مواطنيه وترفع من درجات حساسياته إلى مدياتها القصوى، ما يعطي انطباعاً بأن الأزمات التي تولدها الجريمة لن تكون عابرة، فالجريمة تترك وراءها مخلفات اجتماعية ضخمة، تتشكل من جديد عندما تجد في أرض الواقع حاضنة لها كلما تدهور الواقع وانفقد الإحساس بالسلام... نقدم هنا نماذج جُرمية أخذها محررونا من سجلات القضاء العراقي ومراكز الشرطة كوقائع حقيقية حدثت في هذا الزمن الصعب الذي نحاول جميعاً أن نتخطى عقباته بمختلف أشكالها، ليطلع عليها العراقيون كنماذج بشعة ساقها القدر الى أرض العراق بتحولاته الجديدة، كي تكون بعض الصورة واضحة رغم بشاعتها وقذارتها، فالإطلاع على هذه الاستثناءات قد يجنب الكثيرين مزالق الانحدار الى الهاوية بعناوين الجريمة ومشتقاتها المختلفة...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram