عبد الكريم يحيى الزيباريتقوم مجلة السياسة الخارجية الأمريكية بإصدار تقرير سنوي لتصنيف أفشل عشرين دولة في العالم: وفي العام 2005 كان تسلسل العراق هو الرابع، بعد السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج، وفي عام 2006 ظلَّ العراق يحتل المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر فشلاً عينها،
وفي العام 2007 صعد العراق إلى المرتبة الثانية بعد السودان، وفي العام 2008 تأخر إلى المرتبة الخامسة، وفي 2009 صار في المرتبة السادسة. ويستبعد التقرير أراضٍ وأقاليم غير مستقرة بتاتاً كتايوان، والأراضي الفلسطينيّة، وشمال قبرص، وكوسوفو، وصحارى المغرب العربي وكشمير. ويستند التقرير إلى إثني عشرَ مؤشِّراً(ستة مؤشِّرات سياسية، وأربعة اجتماعية، ومؤشِّران اقتصاديان).الدولة الفاشلة هي دولة ذات حكومة مركزية ضعيفة، ليس لها غير سلطات اسمية، أو حكومة غير فعالة، لا تملك بيدها القرار، وأحد مصادر ضعفها الديمقراطية التوافقية، التي بيدها حجب الثقة، وتظلُّ تلوِّح بها كورقة ضغط ضد رئيس الحكومة والوزراء، فضلاً عن الشروط التي وضعتها مُسْبَقاً أمام شخص رئيس الوزراء، وأعضاء حكومته، والصفقات التي عقدتها لضمان مصالح شخصية أو حزبوية ضيقة، فلكي يوقِّع وزير النفط مثلاً، عقداً لاستثمار أو تطوير أحد حقول النفط، يجب أنْ يرضي جميع الأحزاب والقوى السياسية، وبالتالي تظلُّ العقود تراوح في مكانها، وهكذا جميع القرارات المصيرية الأخرى، كالمصادقة على الميزانية، أطرافٌ يقولون(يجب ترحيل الميزانية إلى الدورة المقبلة للبرلمان، كي لا تقوم بعض الأحزاب بإنفاق الأموال العامة في حملاتها الانتخابية)وأطرافٌ أخرى تقول(في تأخير المصادقة، ضررٌ كبير يلحق بجميع القطَّاعات، ويوقف عملية التنمية والاستثمار وووو).يضعون نصب أعينهم مصالح حزبوية ضيقة، غالباً ما تكون مرتبطة بأواصر قوية مع قوى خارجية تُحرِّكها، فضلاً أنَّ الدولة الفاشلة تعاني ضعفاً إدارياً، فيتم تعيين موظَّف بدرجة وزير أو محافظ أو مدير عام: لم يمارس وظيفة حكومية ولم يوقِّع كتاباً رسمياً في حياته، وبسبب غياب التكنوقراطية والبيروقراطية (technocratic and bureaucracy) لن تُحقِّق الحكومات المحلية ولا المركزية أيَّة خدمات للمواطن، وستظل خدماتهم لأحزابهم أولا وأخيراً، حيث لا وجود حقيقي للإدارة التي تنأى بنفسها عن المشاعر والانفعالية والتعصب، وبالتالي ستكون خاضعة لعواطف قومية وطائفية في منأىً عن العقلانية، ورغم كلِّ هذا تظلُّ مقاييس الحكم على دولةٍ ما: بالفشل، موضوع جدل.الدول الفاشلة لا يُشترط أن تكون فقيرة، بل إنَّ الكثير منها على العكس غني بالموارد الطبيعية، وبالنفط والماس، ولكنَّ هذه الثروات تصير مصدراً للخراب، لا للازدهار والتقدم، لأنَّ هذه الدول تنفقُ إيراداتها بعيداً عن أيَّة مشاريع تنموية اقتصادية، على التدخل بالشؤون الداخلية لدولٍ أخرى، أو سباق تسلُّح ضد عدو خارجي وهمي، أو تمويل الإرهاب الدولي، أو على ملذات السلطة الحاكمة، أو تضيع كعمولات رُشا وفساد إداري ومالي، وغالباً ما تدفع الثروات الطبيعية الموجودة في دول غير مستقرة سياسياً: إلى اندلاع النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، ما هي معايير التمييز بين الدولة القوية والدولة الضعيفة؟ أليسَ تفشِّي الإجرام والإرهاب والفساد دال تأكيدي على ضعف الدولة؟ ماذا يقصد الأمين العام لجمعية الأمم المتحدة من كلمته(على ساسة العراق أنْ يتصرفوا كرجال دولة)؟ وإذا كانوا لا يتصرفون كرجال دولة، فهل يتصرفون كرجال مافيا؟ لماذا كان عراق قبل 2003 مستقر أمنياً؟ حيث لم تشهد بغداد انفلاتاً أمنيا، رغم أنَّ حكومة البعث امتازت بمعاداة دول الجوار كافة! وخطوط الطول والعرض الممنوعة، ووجود قوى المعارضة ودعم الولايات المتحدة غير المحدود لهم في ثلاث محافظات من إقليم كردستان تتمتع بحماية دولية واستقلال شبه تام.والدول التي ترزأ تحت حُكمٍ مريض، غير سليم، أو ضعيف، غالباً ما تصير عبئاً على أمن المجتمع الدولي، كالصومال، لأنَّ هذه الدول توفِّر البيئة الخصبة، والحماية اللازمة لأعمال عصابات المافيا، وللأنشطة الإرهابية، وغالباً يتصرَّف المجتمع الدولي بطريقة (ما دام بيتي سليماً، فليحترق العالم من ورائي) ولا يكادُ يُحرِّكُ ساكناً حتى تقع الفأس في الرأس، وتتفاقم المشكلة، وقد (حدَّدَت وزارة التنمية البريطانية سِتَّاً وأربعين دولة ضعيفة ووصفتها بأنَّها فقيرة وعرضة للإرهاب والنزاعات المسلحة والأمراض الوبائية). دِنيس روس- فنَّ الحكم- ترجمة هاني تابري- دار الكتاب العربي- 2008- بيروت- ص202. واستندَ روس إلى مقال بعنوان(إعادة بناء الدول الفاشلة/ Rebuilding failed states)نشرته مجلة(The Economist) الأمريكية بتاريخ 3/3/2005. ثم يكمل روس(وتفضِّل الجماعات الإرهابية: الدول الضعيفة على الدول التي أصبحت فعلاً مفلسة لتتمركز فيها، فبنيتها التحتية الأفضل نسبياً قد تمنحها مكاناً أكثر ملاءمة للعمل، إلى جانب أنَّ غياب الحكم السليم وتفشي الفساد على نطاق واسع قد يعطي الإرهابيين حرية الوصول إلى تلك البلاد ويضمن لها الحماية، غالباً ما يكون الإجرام متفشيا في الدول الضعيفة أو العاجزة/ ص204).في "قائمة الدول الفاشلة" لعام 2008 للصندوق من أجل السلام
تعثر بناء الدولة في العراق
نشر في: 27 يناير, 2010: 06:05 م