د علي جواد الطاهر (1) عباس محمود العقاد، كاتب كبير، ما في ذلك شك، واذ تركت الدلالة بما كتب والف ونشر.. بقيت الدلالة بما له في نفوس قدر كبير من الناس، الوف وملايين من اعجاب به واحترام له واقبال عليهن وهؤلاء منتشرون على مدى خريطة الوطن العربي من المحيط الى الخليج مع وقفة خاصة عند السودان،
اما المعجبون به في العراق فلا يحصون على مر الزمن وتجدد التأليف وتعاقب الافكار، ومنهم من يبالغ -صادقاً- فبرى فيه ضربا من المعجزة وهم ينطلقون في ذلك مرة ما قرأوا له من مقالة، ومرة ما رأوا لديه من جديد اذ يحدثهم في الفلسفة وعلم النفس وعلم النبات وكل شيء ، ومرة لما تابعوا اليه من كتب العبقريات ذات الطابع الديني وهكذا مكن لنفسه منزلة عند اهل الدنيا ومنزلة عند اهل الدين –ونترك الجانب السياسي لاهل السياسة وبخاصة السياسة المصرية في تقلباته من الوفد الى "هتلر في الميزان" وتقلبات السياسة المصرية نفسها اذ تعلو كفة وتنخفض كفة مع الانكليز او على الانكليز. ان كلمة كاتب كبير ليست كبيرة عليهن ودونك آثاره تدل وافكاره تشير، واعماله تصرح..هذا اذا تركنا جبروته في نفسه وعمق اعتقاده ، بقلمه، وفكره وسلطانه فهو الكاتب الجبار عند نفسه، وعند رهط حوله يعمل المستحيل ليعلن الاعجاب بالكاتب الجبار وليجتذب اليه الانظار ويكثر حوله الانصار حتى عدوه مدرسة، فقالوا –في ما قالوا – مدرسة العقاد. واذ ذكر العقاد ذكر طه حسين وبالعكس، ويأتي الذكر على سبيل الاختلاف، والضد والنقيض، والنقاش الحاد في ايهما الاحسن، والاكبر والاعظم، وتبلغ الحدة احياناً كثيرة بطرف الى ان يجرد طرفاً من كل فضيلة، فليس العقاد اديباً عند قوم، وليس طه حسين أديباً عند قوم – ويطول النقاش على غير طائل على مدى خريطة الوطن العربي.. ويخرج من ذلك ان الذي اشك فيه ان الذي يحب طه حسين لايحب العقاد – وكم تذكرني الحال، لو كان مجال للمقارنة ما يقع –أو وقع – فيه الفرنسيون ازاء روسو وفولتير ، بل وقعت فيه اذ لم استطع أميل فضلا – عن ان احب – فولتير.. وكان شأني من قبل الشأن مع العقاد فما العمل؟ هذا هو الواقع والحقيقي، ولا بد من الصراحة في موطن الذكريات التي لا تقلل من شأن العقاد لدى انصاره ولا تزيد من شأن طه حسين لدى أحبابه، والا فكان الف والف عامل يمكن ان يدفعني الى حب العقاد، فهو كاتب عربي حديث وما في ذلك شك وله المعجبون، وله عندك مقالات وكتب ولك معه قراءات او محاولات قراءات. أجل ولنكن اكثر دقة، انها في جملتها محاولات في قراءة العقاد تصل اليك مجلة "الرسالة" وفي صدرها مقال للكاتب الكبير عباس محمود العقاد فتحاول ان تقرأ مقبلاً طوعا، ومرة كرها، ولكنك لا تمضي معه اكثر من سطور، ونظرات هنا وهناك على اول هذه الفقرة من المقالة او تلك الفقرة منها.. لحظات وتضيق ذرعاً واذا بك تسير يداً بيد مع آخرين كطه حسين او الزيات او المازني او زكي مبارك كلهم.. الا الكاتب الكبير.. أشهد ان شيئاً من ذلك لم يقع بتأثير خارجي، لأن الذين يقرأون الرسالة حولي كثيرون، والذين يقرأون مقالات العقاد كثيرون فضلا عن يثني ويطري ويعجب.. ويستعظم. ولو كان للخارج من تأثير لكان للعقاد ولا عليه، ولو سألتني عن اول كتاب وقعت عينك عليه في بيتك، وكان ذلك مبكراً جداً، وربما في السابعة او الثامنة من العمر لأجبتك من غير تردد كتاب الكتاب الثلاثة والكتاب الثلاثة هم: عباس محمود العقاد ، سلامة موسى، مصطفى لطفي المنفلوطي –واذا كنت في تلك السن بعيداً عن القراءة، والفهم فان وهو هذا الكتاب في البيت وفيه هذه الاسماء اللامعة مصحوبة بصور لا تمحى من الذاكرة – لعباس محمود العقاد –طلعته وقد يكون من دون شارب اجل لابد من ان يكون (عبسا محمود العقاد9 كيانا مهما بحيث احتل المكانة البارزة من الكتاب..ثم ترد الرسالة الى الحلة ويقرؤها من حولك.. ومنهم اخوك، وتقرؤها انت.. وتكاد تقرأ كل شيء ما بين الافتتاحية والبريد الا دبي الا ان مقالة يتصدرها اسم (الكاتب الكبير) لماذا؟ لابد من ان يرجع السبب الي، وليس الى عامل خارجين وفي هذا السبب ثقل أحسه لدى القراءة، وخشونة في اللغة، وتباعد في المعنى، ولم اكن – كما اتضح في ما بعد –وحيدا في الاستثقال وقالواك في ما قالوا العقاد معقد. ثم ماذا؟ قد يكون العقاد مفكرا عميق التفكير حيث يذهب المتنطعون من انصاره ودعاته والمتأثرين بانصاره، ودعاته مذهبا يعدونه فيه فيلسوفاً ناسين أو متناسين ما يلاحظه الطرف الاخر على هذه الافكار، من استيراد خاص لدى قراءة في كتاب اجنبي او عن نظرية اجنبية لا يلبث "الفيلسوف" المصري ان يتبناها ويطلع بها على القراء العرب وبأنه صاحبها.. العقاد(2) قد يكون العقاد مفكراً، فيلسوفاً صح ذلك ام لم يصح..ولكن الكينونة وحدها تدفعه عن ميدان الادب حيث الموهبة المبدعة لدى تصوير العاطفة موشاة بالخيال، وكلها طراوة.. وانك لواجد هذه الموهبة لدى صاحبك طه حسين ولدى اصحابك الاخرين، وفيهم الزيات والمازني وزكي مبارك. قد يكون مفكراً، باحثاً، عالماً مثقف
العقاد
نشر في: 29 يناير, 2010: 04:52 م