من الكتب المضافة الى تراث العقاد الذي كان بالاصل مجموعة من المقالات المنشورة في غير مجلة كانت تصدر في مصر قبل سنوات بعيدة، ومنها مجلة الرسالة كتاب عنوانه ردود وحدود، يشتمل على مساجلات شتى بصدد شؤون وجوانب معرفية متباينة من علوم اللغة والبيان والدين والفلسفة والتصوف والكلام والسياسة.
من بين محتويات هذا السفر المطبوع بعد رحيله عن هذا الوجود مقالة ضافية عنوانها (ردود وحدود) يبدو انها راقت لناشر الكتاب او القائم بجمع نظائرها واشباهها وانتزاعها من مواضعها في اعداد مجلة الرسالة ومن ثم ترتيبها لتستحيل كتابا تتداوله الاجيال الادبية التي تعايش الحقبة التي ازدهرت ابانها الحياة الثقافية وتميزت من غيرها بموسوعية الكاتبين.وتعدد مصادر ثقافتهم فضلا عن سلامة ادائهم لما يعن لهم من خوالج وآراء وانظار عقلية شتى دون ان يشوبه احيانا خصوصا في معارض الرد والنقاش، شيء من الحدة والمخاشنة والغلظة قد يوفون بها جميعا على ضرب من الاساءة البالغة والجريح القاسي. نقول اعجب منسقو كتاب العقاد هذا بمقالته تلك والتي يجوز الفصل بين اجزائها الثلاثة، والنظر لكل جزء منها على انه مقالة منفردة مستقلة بموضوعها ، ففي الجزء الاول ينبري للرد على المرحوم احمد امين بصدد ما نشره في عدد سابق من الرسالة عن حقوق الافراد والجماعات وما يلزم البشر ان يضطلعوا به من الاعباء ويؤدوه من الواجبات. وفي الثاني يعرض لما خاض فيه الشاعر الكاتب طاهر ابو فاشا بشأن قضايا تتصل بعلم الاجتماع وفلسفة الاداب والفنون، استتبعه ما سبق للعقاد نفسه ان ساقه في دراسة عن فلسفة المعري وجنوحه الى الاغراب في ما يعالجه من موضوعات. وفي الثالث يتصدى لافحام الدكتور مصطفى جواد بخصوص مسألة نحوية اصطنعها اللغوي العراقي وذهب فيها مذاهب شتى ووصم العقاد باساءته فهمها على الوجه الصحيح والفاه مسقطا في القول واهماً عبر مقال سابق له ايضاً. ويبدو ان مقالة مصطفى جواد تحوي قسطا فائقا من الزراية والتسفيه والنبز بالجهل بحيث استثارت غضب قرينه واستحثته على ان يكيل له ما وسعه من فاحش القول والبذاءة وما ظل حتى الان وبعد انقضاء سبعة واربعين عاما حديثا متداولا في المجالس والمنتديات الادبية ومستدلا به كذلك في اكثر من مناسبة ، على انه حتى الحذاق المستوفين غاية المطلوب من العلم والدراية والاجتهاد لا يعدمون ان يعرض لهم الخطل او لا يتأتى لهم الصواب دائماً وعبئاً يخيل انهم ادركوا جانباً بينا تفوقهم ويغيب عنهم كثير من الاشياء. كما يستدل بهذه الواقعة ومنها على ما تقود له الاثرة ونزوع الانسان للتفرد بالفضل وتطلعه الى ان لا يجد قبالته من يحاكيه او يماثله حتى في مقداره من الدرس والاطلاع ، نعم قد تقود الاثرة حتى الاعلام والعارفين الى ان يفارقوا ما هم عليه من وقار وسمت ويتجردوا ما يزينهم من تماسك ورباطة جأش علما ان اصفياء مصطفى جواد وعشراءه، لايسيغون ما ساد نقده زمنا من خشونة وصرامة وقسوة اثناء المناظرة والمؤاخذة ، ولا ينون في نسبتها الى بعض ما قلد فيه استاذه الكرملي ونهج نهجه وتمادى فيه على طريقته، كما ان ادباء العربية في هذا العصر جميعا يكنون او يعلنون مطلق الاعجاب بمآثر عباس محمود العقاد وافضاله، ويجلون طاقاته ومواهبه، وما خلص منها الى هذا النتاج الثر في شتى ميادين الفكر وانحائه في غاية من الرصانة والتثبت والاستواء دون ان يغضي احد عن ميله للاستظهار والتطاول والعنجهية. ولعل القارئ العراقي وجد باساً ومرارة وكدرا ان تحوز مقالة (ردود وحدود) رضا الناشر عنها واحتفاءه بها فيتخذ عنوانها نفسه عنوانا للكتاب بمجموعه، وتسألني ما فحوى هذه القضية النحوية والمجال الذي جال فيه قلما هذين الادبيين الاريبين واستحق كلاهما لوماً دونه ما ينحى به على الاغرار والسذج، فضلا عن المدخولين على علوم العربية وادابها، اصلها في مداخلة مصطفى جواد ان المفاعلة عمل فاعل واحد، والتفاعل عمل فاعلين فلا يقال اذا هذا الشيء لا يتساوى ولا يماثل ولا يتشابه. وجواب العقاد على هذا الاعتراض بسيط جدا وهو بل يقال ويقال ويقال ولا يقال غيره في هذا المعنى، واليك المثال: لا يتساوى القمر في ليلتين وقد تساوى الشمس في برجين. لايتشابه الرجل في عمرين وقد يتشابه العمر في رجلين. ويقال تقاضيا وتقاضاه وتجاوبا وتجاوب الصدى الى غيرها من الامثلة والشواهد ومنها المألوف الشائع كثيراً بله القريب حتى للمتعلم المحدود في معارفه ومراجعاته. ويختم العقاد نقده بعبارات يخجل القرطاس من تسطيرها على صفحاته ويأسى حتى الغلاة الرافضون لتخريجات مصطفى جواد واجتهاداته وآرائه اللغوية على ان يتردى كاتب مثل العقاد الى هذا القعر، ويجترح هذا الاثم ويقع في مثل المنحدر الهابط من الانتقاص والتطاول والامعان في شفاء الغيظ وبرد الغليل. لكن أخلت كتابات العقاد التي لا يحيط بها العد والاحصاء من بعض الاغاليط اليسيرة كأن بجانبه التوفيق في صيغة واحدة من صيغ جمع التكسير على سبيل المثال فاليكه! جاء في الصفحة 242 من كتابه النفيس (سعد زغلول سيرة وتحية). قوله: انهم غيورون صادقون، أي انه تساهل في جمع فعول بمعنى فاعل جمع مذكر سالماً. والمعروف في اصطلاح النجاة ان هذا الوزن اذا تضمن معنى فاعل فلا مناص من جمعه على فعل وصواب
بين العقاد ومصطفى جواد
نشر في: 29 يناير, 2010: 04:54 م