د فائز كريمسُئل العقاد عن الفرق بينه وبين المفكر والكاتب الإنكليزي برنارد شو. فقال: برنارد شو يقف على أكتاف ستة أجيال من الثقافة الأوربية. أما أنا فأقف على قدمي...). هكذا كان العقاد يرى رسالته, وسواء كان مخطئًا أم محقًا, فقد ترك في الثقافة العربية أثرًا لا يمحى.
كانت هذه رسالة العقاد ودوره في الانتقال من عصر إلى عصر شأنه في ذلك شأن قادة الفكر ممن كانت رسالتهم وأدوارهم ليست في أن يزيدوا المعرفة بمعرفة من جنسها, وإنما كانت في أن يغيّروا من نوع المعرفة, وينقلوها إلى أسلوب جديد ومفيد.ويمكن أن يلمس القارئ تلك الرسالة وذلك الدور بمقارنة حال الثقافة في بدايات القرن العشرين حيث بدأ العقاد يتلمّس طريقه. وحالها في ستينياته.عندئذ يندهش المرء في كيفية قيام العقاد بهذه الرسالة وذلك الدور وهو الذي لا يحمل لقبًا علميًا يسنده ولا سلطانا يعزه, ولا جاها عريضا يدعمه, ولا مالا وفيرا يحميه. وتزيد الدهشة إذا أدركنا أن العقاد لم يكن ممن يجيدون لعبة ركوب الموجة, فلا ينافق ولا يتملّق ولا يزايد....إنما العقاد كان مقاتلاً على الدوام. فهو يحارب الصهيونية محاربته للنازية, ويحارب الشيوعية محاربته للرأسمالية, ويحارب الاستعمار محاربته للمتاجرين بالوطنية, ويحارب الإلحاد محاربته لأدعياء الدين, ويحارب ممثلي الأقلية محاربته لممثلي الأغلبية.rnويحارب القصر محاربته للباشوات, ويتخذ من هذه جميعا مواقف, تجسّد رأيه الخاص الذي يعبّر عنه قائلاً: (....أريد أن أكون أنا نفسي لا أكثر ولا أقل...).وطبيعي أن يكون صاحب هذه الرسالة وذاك الدور موضع اهتمام الدارسين داخل الجامعة, اهتمامًا يتخذ أحد ثلاثة أشكال: إما بتخصيص الرسائل العلمية لتقييمه أو بإعداد الاهتمامات الجامعية أو الدراسات النقدية المنشورة بالصحف والمجلات التي تدور حول فكره وفي عملية الرصد لهذه الرسائل والمحاضرات والدراسات قد يلمح القارئ اشتمالها على نقد لا يعطى العقاد حقه أو مدح يعطيه أكثر من حقه, إلا أن هذا وذاك لا يطغى على المعنى النبيل الذي من أجله أجرى الباحث قلمه في تناول فكر هذا الرائد العظيم.rnالرسالة الجامعيةوأولى هذه الرسائل منشورة في كتاب (العقاد ناقدا) التي قدمها الدكتور عبدالحي دياب إلى كلية دار العلوم, وناقشها الدكاترة محمد غنيمي هلال ومحمد مندور وشوقي ضيف. كان موضوعها (النقد عند العقاد) وفيها عنى الباحث في الباب الأول بالميراث النقدي قبل العقاد, وذلك في المحاولات النقدية السابقة عليه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, ثم المحاولات النقدية المعاصرة, وكان من طلائع أعلامها ويخصص بابها الثاني لاتجاهات التجديد في النقد عند العقاد كتطبيق لنظريته النقدية. والباب الثالث خصصه للحديث عن المعارك النقدية, وكيف كان لها أثر في تعميق نظرياته النقدية أو إضافة جديد إليها, وختمها بتسجيل دور العقاد في الثقافة المعاصرة نقدًا وأدبًا.والرسالة الثانية مخطوطة وقدمها الأديب الحساني حسن عبدالله بمعهد الدراسات العربية وموضوعها (فلسفة الجمال عند العقاد وعلاقتها بآرائه في النقد) وناقشها الدكاترة شكري عياد وخلف الله أحمد ويحيى هويدي. واستهلها الباحث بدراسة لمنهج البحث في أصالة العقاد النقدية, منتهيا في ذلك إلى أن الأصالة بوجه عام ضوء متوهج لا تملك عين نكرانه وأنها لا تعرف عن طريق البحث المعملي. وأن نصيب العقاد من ذلك الضوء كنصيب غيره من أصحاب الأصالات المعتمدة. ثم عرض بعد ذلك لبعض الدعاوى عن تأثر العقاد بالأجانب وتوقف طويلا عند مصطلح التأثر مستحسنا العدول عنه إلى أحد مصطلحات ثلاثة هي (الإفادة) أو (التقلد) أو (السرقة), وأنه من اللازم عند درس الأصالة تحديد المقصود بالتأثر أهو مجرد إفادة أم تقليد أم سرقة? وانتهى في رسالته إلى فحص اتهام العقاد بأنه تأثر بالشاعر الألماني شيلر. وأجرى مقارنة دقيقة بين الاثنين أكّدت اختلاف معين كل منهما.والرسالة الثالثة مخطوطة أيضا قدمها الأستاذ محمد عبدالهادي محمود لآداب القاهرة, وموضوعها (نظرية الصورة الشعرية عند مدرسة الديوان) وأشرف عليها الدكاترة شكري عياد وعز الدين إسماعيل وسهير القلماوي. وبالطبع كان العقاد يستأثر بالجانب الأكبر من الرسالة, حيث نجد الباحث يعرض نظرية الخيال الشعري عند العقاد, وكيف كان أثره في كل من (بليك) و(كولريدج) و(وردزوورث) و(شيللي) و(كيتس).ثم نظرية الجمال عند العقاد, وهو في هذا الجزء يرد ضمنيا على الذين كتبوا عن أصالة العقاد في نظرته للجمال. ثم يحدّثنا عن مشكلة الشكل والمضمون وفيها يغلو الباحث في نقد النقاد, ثم يبحث عن علاقة الشعر باللغة عند العقاد, فيبدو متأثرا بمنهج الدكتور محمد مندور. ويتطرق إلى دراسة مشكلة الإبداع عند العقاد , فيرى أن هناك هوّة كبيرة بين مفهوم الإبداع الفني المعاصر وإبداع العقاد خصوصا في ممارساته الشعرية.والرسالة الرابعة مخطوطة كان قد قدمها للجامعة الإسبانية الدكتور عبداللطيف عبدالحليم, وناقشتها لجنة مكونة من خمسة من أساتذة الجامعات هناك يتقدمهم عاشقان للثقافة العربية هما (بدرو مارتينث مونتابث) و(خوسيه باثكث) وموضوعها (دراسة بين العقاد وأونامونو) باللغة الإسبانية.ولكونها بهذه اللغة كنت عاجزًا أمامها إلا أن الذي يطم
عباس محمود العقاد ومدرسة الديوان
نشر في: 29 يناير, 2010: 04:58 م