TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي تجربة محيي الاشيقر.. اعلى فأعلى فـي طريق الذهاب الى المستقبل

فـي تجربة محيي الاشيقر.. اعلى فأعلى فـي طريق الذهاب الى المستقبل

نشر في: 31 يناير, 2010: 05:40 م

رياض النعمانيوكما اعتقد ان انتقال الثقافة من مستواها الذي يتبنى شفوية الأدوات الى شروط القراءة الأعمق لحقائق التاريخ وظواهر الكون ( وراء وماوراء) يتطلب وعياً شاملاً لاينقذ المجتمع فقط من درك الانحطاط و التدني ، والحس المتدهور، ومجانية النظر ، والتعامل مع ظاهرات العصر، بل ينقذ الثقافة أيضاً كموقف ومعنى وتطلع ووجود أصلي انوجد كي يستطيع الفرد الصعود أعلى فأعلى في طريق الذهاب الى المستقبل.
وهنا سأذهب سريعاُ الى الهدف الذي اريده الآن ، السؤال عن مبدع من طراز محيي الاشيقر اختار ومنذ بداياته الاولى في مقاربة وجوده الدامي – فكرة الصدام الواضح مع غموض سلطة السياسة وسلطة الواقع، في لحظة اختل فيها كل شيء وألتبس، بل انقلب فيها المفهوم، حتى صرنا نرى الى الواقع وهو يسير على رأسه دون ان يثير ذلك فينا دهشة أو تساؤل، السؤال أين كان محيي طوال هذه الحقب؟ ولماذا رسم وأثث أعوام غيابه بيده هو؟ في خيانات كثيرة وهياج عمومي شهدته سبعينيات القرن الماضي كنا نشاهد حياتنا وهي تتحول الى هستيريا توجهها شمولية الفكرة، ووجدانية الشعار ، ودوغمائية الهدف الذي كان يؤمن بأن افناء الحاضر هو احياء للمستقبل... في ذلك المناخ جاء ذهابه الى عزلته اكيداً وأبيض ، ابيضاً حتى نفاد اللون .. لانشر ، لاحضور اعلامي، ولامحاولة للظهور، ولامشاركة عامة غير نظيفة في الوليمة المدنسة. ظل وحيداً مع نفر قليل كانت لاتزال تدوي في كياناتهم الباسلة آخر صرخات الرجال الذين اختاروا قمر الخسارة، وهم أحدى الخلاصات المهمة لتراث الخروج على السلطة التي ظلت تعلق رؤوسهم على جذوع النخيل وبوابات المدن وساحاتها العامة. وحيداً ، ظل يستحث أقصى ما في كيانه من طاقة على الحب والتفتح والاستمرار في المواجهة الحاسمة مستعيناً بضمير نادر النبل.. كان يثبته في مساحة من هامش يحسد عليه كل متن. هامش لايكف عن محاولات اكتئان الظاهرات واختراق سطوح الاشياء ومساءلة الوعي والافكار في مستوى معرفي يدرك أن شرفه الخاص ووعيه يتلخصان في اصطفاء غربة، وأن كان يراها القطيع جنة على ارض القومية الجديدة، ويحصنها البعض الثقافي بتبريرات وآراء ومفاهيم عديدة. هكذا شكلت فكرة الدخول في عزلة ضيقة، والخروج الى مواجهة لامواربة فيها مع سلطة دموية جدل حياة محيي غير المهادنة والصاخبة والحزينة حتى ابعد حدود الغناء. يالتلك الأيام، وتلك السلطة التافهة، وذلك التواطء العالمي القذروالميت الضمير الذي تكالب على صعود مجموعة من البلطجية أخذت شعبها الى الزنازين، والمجازر والموت والمقابر الجماعية والحروب المتتالية شرخت جسد البلاد وضيعته، فاختار من استطاع منفى مريراً، أسود تغطيه ثلوج شمال العالم، في شمولية وقسوة شتاء ذلك المنفى لم تتوقف الحركة عن انتاج صخب مواقف جديدة، وافكار متنوعة والتباسات مضاعفة حولت الحياة هناك الى مشهد قد يكون صورة اخرى لمجريات الوعي والتاريخ التي سادت في حياة الداخل فسار البعض وراء طغيان الشعار، وعاطفية الموقف واختيار اسباب الرفاه المادي حتى وان كان مصدره عناصر واجهزة السلطة التي وصلت وواصلت جز رؤوس كثيرة هناك، في حين ظل البعض الآخر يديم تمسكه بثوابت اخلاقياته ومواقفه، فكان محيي من البعض الأخير الذي اختار من جديد عزلة في معتزل أول هو المنفى. من جديد.. وفي ذلك الركن القصي والبارد البعيد من عذاب تقطعت به سبل الجليد والعواصف وضياع الوجهة والجهة، أوقف الرجل حياته على صيانة نزاهة نفس هي كل مايملك للوصول الى ينابيع نفسه الصافية عابراُ بذلك جسر خياراته الموجعة" عوز دائم، وحزن مديد ، وحدة شاهقة، مرض يجدد ادواته كل يوم، انفراط بيتي لم يقو على أيقافه أو سد طريقه، ابتعاد مفرط عن هوس الاعلانات والحضور الزائف والعابر في واقع ليس واقعاً ، انما حجاب تغيب وراءه جميع صور ذلك الواقع ودلالاته الحقيقية المؤثرة" ها هي مقومات صقلت وجدانا ناصعا شهر جمال روحه على سماء أرادت هي له أن يحدد لها افقها الذي تطل منه عليه وعليها. محيي الاشيقر ناثر جديد، انتمى كلياً الى لحظة اشتغاله التام بصعوبات نصه واسئلته التي لم ينقطع عن طرحها على نفسه وعلى تجربته التي افتتحت للسرد العراقي افقاً ابيض.. وموقفا قوامه اللغة التي لاتنتمي الا الى قدرتها وطاقتها في تفجير حدود قاهرة كانت السياسة والأيديولوجيا تضعها وتسور بها محاولات الذهاب أبعد مما اقرته المؤسسة الثقافية والاجتماعية والايديولوجية من شروط وحدود لايجوز تخطيها حتى لأولئك المزودين بثقافة ورؤى وطاقات حديثة، مغيرة تنتمي الى المستقبل الابداعي الذي تحصنه انجازات الموهبة الخلاقة، وتزوده بمختلف الطاقات التي تنير أفق قدرته على اختراق العالم الى ماوراءه. احتفاء اتحاد الادباء بـ( محيي الاشيقر) يؤكد من جديد حيوية هذه المؤسسة الثقافية التي تصر- في مناخ الموت الرسمي العام- على التشبث بمعاني الحياة ودلالاتها الزاخرة والنابضة باحلام الكائن العراقي الذي يشهر كل يوم وبفصاحة عالية رغبته العميقة ودمائه وأحلامه النبيلة في حياة يصر ويتواطأ الكثيرون على قتلها. انه- وفي هذه البقعة من الأرض المحاصرة- يعيد اضاءة المقولة الكونية: على هذه الأرض مايستحق الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram